السلطان محمد الفاتح وفتح القسطنطينية



                                                                                المقدمة 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين.

          بعد أن بلغت الدولة العباسية أفوج التقدم والتمدن في خلافة هارون الرشيد وابنه المأمون الذي ترجمت في أيامه أغلب كتب اليونان وتقدمت العلم تحت وارف طلها تقدما كبيراً وأخذت الدولة في التقهقر شيئاً فشيئاً تبعا لناموس الحياة الطبيعية القاضي بالهرم بعد الشيبة سنة الله في خلقه ولن نجد لسنة الله تبديلا كما قال تعالى: (سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله بديلا) (سورة الفتح: 48)

          ولد السلطان محمد الفاتح في (27 من رجب 835هـ/ 30 من مارس 1432م) ونشأ في كنف أبيه السلطان مراد الثاني، وهو سابع سلاطين الدولة العثمانية، الذي تعهده بالرعاية والتعليم، ليكون جديرا بالسلطنة والنهوض بمسئولياتها ، فأتم حفظ القرآن ، وقرأ الحديث، وتعلم الفقه، ودرس الرياضيات والفلك وأمور الحرب، وإلى جانب ذلك تعلم العربية والفارسية واللاتينية واليونانية، واشترك مع أبيه السلطان مراد في حروبه وغزواته، وتولى محمد الفاتح السلطنة بعد وفاة أبيه في (5 من المحرم 855هـ/ 7 من فبراير 1451م).

          واشتهر محمد الفاتح بانه راع للحضارة والأدب، وكان شاعرا مجيدا له ديوان شعر، وكان الفاتح يداوم على المطالعة وقراءة الأدب والشعر، ويصاحب العلماء والشعراء، ويصطفى بعضهم ويولهم مناصب الوزارة. وعلى الرغم من انشغال الفاتح بالجهاد فإنه عني بالإعمار وتشييد المباني الراقية، فعلى عهده أنشئ أكثر من ثلاثمائة مسجد، منها في العاصمة إستانبول وحدها 192 مسجداً وجامعاً، بالإضافة إلى 27 مدرسة ومعهداً، و59 حماماً.


التمهيد:ـ

ولقد ركزت في هذا البحث على شخصية  وآثار تحكيم شرع الله تعالى زمن السلطان محمد الفاتح; فبينت تلك الآثار ، كالاستخلاف والتمكين ، والأمن والاستقرار ، والنصر والفتح ، والعز والشرف ، وانتشار الفضائل وانزواء الرذائل ، وتحدثت عن صفات محمد الفاتح وعن أعماله الحضارية ، وتطرقت لوصيته لأبنه وهو على فراش الموت والتي تعبر أصدق التعبير عن منهجه في الحياة وقيمه ومبادئه التي آمن بها والتي يتمنى من خلفائه من بعده أن يسيروا عليها ، فشرحتها وبينت أصولها وقواعدها وأيقنت بأن قادة الأمة وزعمائها في أشد الحاجة لدراستها وفهمها وتطبيقها وتعرضت للشبهات التي ألصقت بمحمد الفاتح كالتي أفتراها المؤرخ الأنجليزي أدوارد شيبرد كريسي في كتابه تاريخ العثمانيين الأتراك وحاول أن يشوه صورة الفتح العثماني للقسطنطينية ووصف السلطان محمد الفاتح بصفات قبيحة حقداً منه وبغضاً للفتح الاسلامي المجيد ،([1]) وسارت الموسوعة الاميركية المطبوعة في عام 1980 في حمأة الحقد الصليبي ضد الإسلام ، فزعمت أن السلطان محمد قام باسترقاق غالبية نصارى القسطنطينية وساقهم إلى أسواق الرقيق في مدينة أدرنة حيث تم بيعهم هناك فنفيت هذه الشبهات من جذورها وأقمت الحجج القاطعة والبراهين الساطعة على الحقائق التاريخية الناصعة التي تبين أن السلطان محمد عامل أهل القسطنطينية معاملة رحيمة وأمر جنوده بحسن معاملة الأسرى والرفق بهم وافتدى عدداً كبيراً من الأسرى من ماله الخاص ، واجتمع مع الأساقفة وهدأ من روعهم وأمنهم على عقائدهم وشرائعهم وبيوت عبادتهم وبينت  إن السلطان محمد الفاتح لم يظهر ما أظهره من التسامح مع نصارى القسطنطينية إلا بدافع إلتزامه الصادق بالإسلام العظيم ، وتأسياً بالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم ثم بخلفائه الراشدين من بعده في معاملتهم لأهل الذمة الذين إمتلأت صحائف تاريخهم بمواقف التسامح الكريم مع أعدائهم . ([2])

ومن ذا ينكـر الدور الذي قام به العثمانيون حين إستنجد بهم المسلمون في شمال أفريقيا ، يوم زحفت عليهم الجحافل الغازية من إسبانيا وغيرها ، وعلى رأسها الكاردينال (خمينس) ،ممادفع بالمسلمين في الشمال الافريقي أن يستنجدوا بالدولة العثمانية التي سارعت في مساندة  إخوانها في الدين وبرز القائد العظيم والمجاهد الكبير خير الدين بارباروس الذي راح يجوب البحر الابيض المتوسط ليطهر الشواطيء الافريقية الشمالية من الغزاة ، حتى مـكّن للإسلام فيها مرة أخرى وحمى المسلمين في تلك الديار من شـرّ محقق . ([3])

والقسطنطينية التي بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم بفتحها ، من ذا الذي فتحها غير السلطان محمد الفاتح ، الذي وضع خطة غاية في دهاء التدبير وروعة في الإعداد العسكري ودقة التنفيذ ، يوم حمل السفن براً على جذوع الشجر ، ثم دحرجها وأنزلها إلى البحر خلف البيزنطيين من حيث لايتوقعون ، مما أدى إلى دحر إسطولهم وهزيمتهم ، وفتح القسطنطينية التي أصبحت فيما بعد عاصمة الخلافة ، وحملت إسم إسلامبول أو إستانبول لماذا نحاول أن نطمس تاريخ مثل هذا السلطان محمد الفاتح ، الذي أمضى أيامه ولياليه في خيام الجهاد ، وعلى صهوات الجياد ولم يعرف طعم النوم والراحة في المدن والقصور([4]) .

ولكي يكون تفسيرنا لحركة التاريخ الإسلامي صحيحاً وواقعياً فإنه يلزمنا معرفة وفهم العوامل التي شكلت المجتمع وتحكمت في حركته وبناء تصوراته وثقافته ، وموازنة هذه الحركة التاريخية بالأوامر والنواهي الشرعية ، وكم منها متسق مع هذه الأوامر والمتطلبات ؟ وكم منها مائل عنها ؟ لنعرف مدى الأثر الذي أحدثه الإسلام في حياة المجتمعات الإنسانية ، ولنعرف كذلك قيمة الخسائر التي لحقت بالمجتمع الإنساني من جراء الانـحراف والبعد عن شريعة الله ، وندرك أيضاً فضل الله ورحمته بهذه البشرية ، إذ أخرجهم بهذا الدين من الظلمات إلى النور ومن الجور إلى العدل ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ، ومن الشقاء إلى السعادة ومن الخوف والقلق إلى طمأنينة الإيمان وأمنه. ([5])

الفصل الأول نشأت وحياة السلطان محمد الفاتح

المبحث الأول: مولد محمد الفاتح ونشأته.

المبحث الثاني: شخصية محمد الفاتح.

المبحث الثالث: اعتلائه العرش للمرة الأولى وتنازله.

المبحث الأول: مولد محمد الفاتح ونشأته.

          ولد السلطان محمد الفاتح في (26 من رجب سنة 833هـ، 20 إبريل 1429م) وقضى أيام طفولته الأولى " بأدرنة" بجوار والده وتحت رعايته ، وقد اهتم والده بتنشئته وتربيته جسميا وعقلياً ودينيا، فمرنه على ركوب الخيل والرمي بالقوس والضرب بالسيف. وفي نفس الوقت أقام عليه معلما من خيرة أساتذة عصره، وهو الملا أحمد بن إسماعيل الكوراني الذي ذكره السيوطي على أنه أول معلم لمحمد الفاتح وقال: وكان عالما فقيها ، شهد له علماء عصره بالتفوق والاتقان، وفاق أقرانه في المعقول والمنقول، ومهر في النحو والمعاني والبيان، وبرع في الفقه، واشتهر بالفضيلة... ثم أضاف أيضا: وكان الفاتح يسميه " أبا حنيفة زمانة" وتشير الروايات التاريخية إلى أن الملا الكوراني استطاع أن يحبب الأمير محمداً في العلم، وأن يقبل بالفتى الأمير على التعليم بفهم وجد ونشاط، فما مضى غير قليل من الوقت حتى ختم القرآن الكريم. وكعادة الاتراك اقام والده السلطان احتفالا بهذه المناسبة، وغمر مؤدبه ومعلمه الشيخ الكوراني بالعطايا والأموال الوفيرة. ([6])

          وإذا كان محمد الفاتح قد وجد له أبا من أعاظم سلاطين آل عثمان، فقد كانت أمه أيضاً أميرة نصرانية كريمة. وكانت تقص عليه في طفولته وصباه حكاياتها وأساطير شعبها بخيال أوروبي نصراني، فورث عنها بعض المزايا الكريمة وأفاد منها الفلسفة الإغريقية، كما ورث عن أبيه الجلد والشجاعة وشدة المراس والصبر على المكاره وعدم اليأس. وأخذ عنه المعرفة بأمور الحرب والاتقان في وضع الخطط الحربية وحصار المدن وقيادات العلميات العسكرية وتشرب روح الدين الإسلامي، ودرس تاريخ الإسلام المجيد من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم حتى عصره، بما يحويه من بطولات وسجايا، فامتزجت فيه أحسن صفات الشرق الإسلامي والغرب النصراني في ذلك الوقت. ([7])

          ومنذ صغره كان والده السلطان مراد الثاني يستصحبه معه بين حين وآخر إلى بعض المعارك، ليعتاد مشاهد الحرب والطعان ومناظر الجنود في تحركاتهم واستعداداتهم ونزالهم، وليتعلم قيادة الجيش وفنون القتال عمليا، حتى إذا ما ولي السلطنة وخاض غمار المعارك خاضها عن دراية وخبرة. ([8])

          وممن تتلمذ له محمد الفاتح أيضاً الشيخ ابن التمجيد، وكان إلى جانب صلاحه وتقواه شاعرا حسن النظم بالعربية والفارسية، ومنه الشيخ خير الدين والشيخ سراج الدين الحلبي. وإلى جانب هؤلاء الشيوخ والفقهاء احضر السلطان مراد إلى أنبه محمد معلمين آخرين في الرياضيات والجغرافية والفلك والتاريخ واللغات المختلفة. وقد حذق الفتى محمد من اللغات – فضلا عن لغته التركية – العربية، الفارسية، واللاتينية ن والأغريقية ، والسلافية، وبعضا من الإيطالية. وكان بجانب إلمامه بهذه اللغات واسع الاطلاع على آدابها ويتذوق الجميل منها. وكان مما قصد إليه السلطان الفاتح من تعلم اللغات الأجنبية كاللاتينية والإغريقية – مثلا – أن يتمكن من الاتصال المباشر بشعوبه العديدة ذات الالسنة المختلفة، يخاطبها بلغتها ، وليقف على أحوالها بنفسه، ويتحرى عدالة عماله. ([9])

          وكان السلطان محمد الفاتح فوق ذلك مغرما بالفنون ، فكان يجيد التصوير والرسم والعزف على الآلات الموسيقية وينظم الشعر. وكان يكتب أشعاره تحت اسم "عوني" وذلك على طريقة الإرانيين في  اختيار اسم شعري لهم. وهو يعد أول شاعر امبراطوري اتخذ لنفسه اسما مستعارا. وللفاتح ديوان شعر باللغة التركية معظمه في الغزل، وقد طبع في تركيا بالحروف اللاتينية بعنوان "ديوان الفاتح" وذلك في سنة 1944م. ([10])

          نشأ السلطان الفاتح مهتما بدراسة التاريخ، مغرما بقراءة سير العظماء والابطال ، فقرأ بامعان حياة القياصرة: أوغسطس، وقسطنطين الأكبر، وتيودوسيوس الأكبر، وأعجب بشخصية الاسكندر المقدوني إيما أعجاب، فقد لمح فيه صورة من نفسه، رأى فيها قوة النفس، وصحة العزم، وسرعة التنفيذ بعد أحكام الخطة وعدم التردد. ([11])

          ولم يكن شغف الفاتح بالقراءة ونهمه بالمزيد من الاطلاع يقفان عند حد ، فكان يقرأ كل ما يرى فيه فائدة ومتعة لعقله وفكره او يكسبه تجارباً في الحياة، فقرأ فيما قرأ كتابا في سيرة تيمورلنك التتري، وهو الذي هزم جده بايزيد الأول وعرض الدولة العثمانية للفناء، وأخذ معه جد الفاتح " بايزيد" في قفص حديدي إلى عاصمته في أوساط آسيا، ولم ير غضاضة في ذلك أو نيلا من مقامه، ولم يستشعر حقداً على تيمور وكرها، وذلك حتى يعرف عن خططه شيئاً يستفيد منه. ([12])

          عاش السلطان محمد الفاتح في جو ساد فيه العالم توتر وخشونة وقسوة، وفي وقت أشتد فيه الحماس الديني والتعصب بين آسيا وأوروبا ، بل بين الإسلام والنصرانية، فلقد عاش الصراع بينهما مدة طويلة، زادت فيها الأحقاد، وهبطت إلى أعماق النفوس، فغدت روح البغض وحب التشفي والانتقام ظاهرة، ولذا ظهر في بعض تصرفات السلطان الفاتح الشدة والعنف، وربما لم تكن هذه الشدة وذلك العنف في طبيعة السلطان محمد الفاتح، فهو رجل سمت نفسه ونبل ذوقه، واتسع أفقه، ولكن العصر كان قاسيا وغير رحيم، نتيجة الحماس الزائد لكلا الجانبين المتحاربين المتصارعين، حيث كان المسلمون يتحمسون للجهاد والتوسع والفتح، ويزدادون زهوا وفخراً بما ينضم إليهم من أجناس أخرى تاركين عقائدهم وملوكهم ليدخلوا في زمرة المسلمين، ويتحمس النصارى لدينهم، ويناضلون نضال المستميت للدفاع عن بلادهم والوقوف في وجه التيار الإسلامي الصاعد الذي اجتاح ارضهم وكرامتهم. واشتد ذلك الصراع والنضال بين الفريقين إلى درجة تلاشي معها العطف والعفو بين الفريقين. ([13])

 

المبحث الثاني: شخصية محمد الفاتح.

          سنتحدث عن شخصية محمد الفاتح وهو في طور الشباب حتى فتحه مدينة القسطنطينية، ذلك الفتح الذي جعل منه أقوى شخصية تولت السلطنة العثمانية ، وأعظم معاصريه على وجه الاطلاق ، بل ومن أكبر شخصيات العالم. ويعد السلطان محمد الفاتح من أعظم سلاطين آل عثمان ووصل إلى درجة كان يعتبر معها محورا السياسة الدولية في عهده، وصاحب الكلمة الأولى في الشئون الدولية . وشملت علاقاته السياسية والحربية أوروبا وآسيا وأفريقيا، ويعتبر بحق موطد السيادة العثمانية في أوروبا، ومبدد الأحلاف الصليبية . وهو أول سلطان عثماني اشتهر عند الأوروبيين وكثر حديثهم عنه، بل وأول حاكم إسلامي اطلق عليه أهل أوروبا لقب " السيد العظيم" وكان مجرد سماع اسمه يثير الرعب والهلع في قلوب أعدائه ، ولا أدل على ذلك من احتفال أوروبا بموته، فقد أقامت البابوية في روما الحفلات والمهرجانات الصاخبة ابتهاجا بذلك، وظلت الرهبة والرعب من هذا السلطان تخيم على اعدائه في أوروبا حقبة طويلة من الزمن، كما ظلت ذكراه تلقى الرعب والفزع في قلوب أهلها إلى عشرات من السنين بعد وفاته. ([14])

          ولم يكن ممتازا في الناحيتين الثقافية والعسكرية فحسب، بل كان كفايته الإدارية والقانونية عظيمة للغاية، فقد أنشأ دولة عظيمة، وبني ملكا كبيرا ساعده على القضاء على دولة كانت في يوم من الأيام لا تقهر. فهو بحق الذي وطد دعائم الملك العثماني ، واكسب العثمانيين النصر الخارجي ، وقنن القوانين، وعمل على استقرار الحياة الداخلية، وأشاع الأمن والطمأنينة بين شعبه مسلمين ونصارى وغيرهم من أهل الديانات الأخرى. ([15])

          وإذا كنا قد تحدثنا في هذا البحث عن بعض الشيء من شخصية وأعمال السلطان محمد الفاتح في شبابه وبداية حياته، وإلى أن أتم فتح القسطنطينية ، فإن هذا الفتح العظيم لم يكن بمثابة النهاية لأعماله الجليلة، بل كان بداية لها ومنطلقا لإرساء قواعد دولته وتحطيم أعدائه. فقد كان سلطانا مسلما عظيما، تؤكد جميع أعماله وفتوحاته أنها كانت في سبيل نشر الإسلام والسمو بمركزه.

          وقد اعتبر نفسه مبعوثا برسالة هدفها ضم العالم إلى دار الإسلام والقضاء، على دار الحرب، وتحطيم معاقل الشرك والضلال، وحماية المسلمين من المغيرين المغامرين ، وساعده على ذلك قيادته لشعب واع وجيش متماسك، درب على تحمل كل المشاق تدريبا جيدا اعطاه ميزة السبق على أعدائه المنقسمين على أنفسهم. وكان دوري المدافع التركية يسمع على الغرات والدانوب وشاطئ البانيا وسواحل إيطاليا في آن واحد، حتى دانت له آسيا الصغرى وبلاد اليونان ومعظم شبه جزيرة البلقان ، واصبح البحر الاسود بحرية عثمانية بعد استيلاء على القرم وضمها إلى الدولة العثمانية وكان الاتراك قد وضعوا اقدامهم على جانبي بحر " الادرياتيك" بعد استيلائهم على الجزائر " الإيونية وميناء أوترانتو" الإيطالي وهددوا سالمة إيطاليا والبابوية واوروبا باسرها. ([16])

          وكان أعظم اعماله شأنا وقدرا القضاء على الدولة البيزنطية وفتح مدينة القسطنطينية ، بعد أن رأى بعيني راسه تحديات الإمبراطور قسطنطين لوالده ، وطيشه واعتداءاته المتكررة على بعض القرى التركية والرعايا العثمانيين ، فقد كانت المدينة بحق شوكه في حلق الدولة العثمانية لابد من أزالتها. ([17])

المبحث الثالث: اعتلائه العرش للمرة الأولى وتنازله.

في 13 يوليو سنة 1444 م، الموافق 26 ربيع الأول سنة 848 هـ، أبرم السلطان مراد الثاني معاهدة سلام مع إمارة قرمان بالأناضول، وعقب ذلك توفي أكبر أولاد السلطان واسمه علاء الدين، فحزن عليه والده حزنًا شديدًا وسئم الحياة، فتنازل عن الملك لابنه محمد البالغ من العمر أربع عشرة سنة، وسافر إلى ولاية أيدين للإقامة بعيدًا عن هموم الدنيا وغمومها. لكنه لم يمكث في خلوته بضعة أشهر حتى أتاه خبر غدر المجر وإغارتهم على بلاد البلغار غير مراعين شروط الهدنة اعتمادًا على تغرير الكاردينال "سيزاريني"، مندوب البابا، وإفهامه لملك المجر أن عدم رعاية الذمة والعهود مع المسلمين لا تُعد حنثًا ولا نقضًا. ([18])

وكان السلطان محمد الثاني قد كتب إلى والده يطلب منه العودة ليتربع على عرش السلطنة تحسبًا لوقوع معركة مع المجر، إلا أن مراد رفض هذا الطلب. فرد محمد الثاني الفاتح : «إن كنت أنت السلطان فتعال وقف على قيادة جيشك ورياسة دولتك وإن كنت أنا السلطان فإني آمرك بقيادة الجيش». وبناءً على هذه الرسالة، عاد السلطان مراد الثاني وقاد الجيش العثماني في معركة فارنا، التي كان فيها النصر الحاسم للمسلمين بتاريخ 10 نوفمبر سنة 1444 م، الموافق في 28 رجب سنة 848 هـ. لم تطل إقامته أكثر من ثلاثة أشهر إذ اضطر للعودة إلى أدرنة قاعدة الدولة حيث استصغر قادة الجيش العثمانيين من الانكشارية السلطان الصغير، إذ عصوا أمره، ونهبوا المدينة، ووصل السلطان فأدب القادة وأشغلهم بالقتال في بلاد اليونان. ([19])

يقال بأن عودة السلطان مراد الثاني إلى الحكم كان سببها أيضًا الضغط الذي مارسه عليه الصدر الأعظم "خليل جندرلي باشا"، الذي لم يكن مولعًا بحكم محمد الثاني، بما أن الأخير كان متأثرًا بمعلمه المولى "الكوراني" ويتخذ منه قدوة، وكان الكوراني على خلاف مع الباشا. ([20])

انتقل السلطان محمد الثاني إلى مانيسا الواقعة بغرب الأناضول بعد ثورة الإنكشارية عليه، وبعد أن جمعهم والده وانتقل لخوض حروبه في أوروبا. ليس هناك من معلومات كثيرة تفيد بالذي قام به السلطان محمد في الفترة التي قضاها في مدينة مانيسا، ولكن يُعرف أنه خلال هذه الفترة، تزوج السلطان بوالدة ولي العهد، كما كان يُطلق على زوجات السلاطين، "أمينة گلبهار" ذات الجذور اليونانية النبيلة، من قرية "دوفيرا" فيطرابزون، والتي توفيت بعد ذلك عام 1492 بعد أن أنجبت السلطان بايزيد الثاني. وكان السلطان مراد الثاني قد عاد إلى عزلته مرة أخرى بعد أن انتصر على المجر واستخلص مدينة فارنا منهم، لكنه لم يلبث فيها هذه المرة أيضا، لأن عساكر الإنكشارية ازدروا ملكهم الفتى محمد الثاني وعصوه ونهبوا مدينة أدرنة عاصمة الدولة، فرجع إليهم السلطان مراد الثاني في أوائل سنة 1445 وأخمد فتنتهم. وخوفًا من رجوعهم إلى إقلاق راحة الدولة، أراد أن يشغلهم بالحرب، فأغار على بلاد اليونان والصرب طيلة سنواته الباقية، وفتح عددًا من المدن والإمارات وضمها إلى الدولة العثمانية. تزوج السلطان محمد في هذه الفترة أيضا بزوجته الثانية "ستّي مكرم خاتون" الأميرة من سلالة ذي القدر التركمانية. ([21])

قام محمد الفاتح خلال المدة التي قضاها في مانيسا، بضرب النقود السلجوقية باسمه، وفي أغسطس أو سبتمبر من عام 1449، توفيت والدته، وبعد هذا بسنة، أي في عام 1450، أبرم والده صلحًا مع "اسكندر بك"، أحد أولاد "جورج كستريو" أمير ألبانيا الشمالية الذين كان السلطان مراد الثاني قد أخذهم رهائن وضمّ بلاد أبيهم إليه بعد موته. وكان اسكندر المذكور قد أسلم، أو بالأحرى تظاهر بالإسلام لنوال ما يكنه صدره وأظهر الإخلاص للسلطان حتى قرّبه إليه، ثم انقلب عليه أثناء انشغاله بمحاربة الصرب والمجر، وبعد عدد من المعارك لم يستطع الجيش العثماني المنهك استرجاع أكثر من مدينتين ألبانيتين، فرأى السلطان مصالحة البك ريثما يعود ليستجمع جيشه قوته ثم يعود لفتح مدينة "آق حصار".([22]) 

الفصل الثاني

استعدادات محمد الفاتح وفتح القسطنطينية

المبحث الأول: استعدادات محمد الفاتح

المبحث الثاني: وضع القسطنطينية

المبحث الثالث: الهجوم

المبحث الأول: استعدادات محمد الفاتح:ـ

لقد اعتنى السلطان محمد الفاتح بإقامة قلعة (روملي حصار) في الجانب الأوروبي على مضيق البسفور في أضيق نقطة منه مقابل القلعة التي أسست في عهد السلطان بايزيد في البر الآسيوي، وقد حاول الإمبراطور البيزنطي ثني السلطان الفاتح عن بناء القلعة مقابل التزامات مالية تعهدبه إلا أن الفاتح أصر على البناء لما يعلمه من أهمية عسكرية لهذا الموقع ، حتى اكتملت قلعة عالية ومحصنة ، وصل ارتفاعها إلى 82 متراً، وأصبحت القلعتان متقابلتين ولا يفصل بينهما سوى 660م تتحكمان في عبور السفن من شرقي البسفور إلى غربيه وتستطيع نيران مدافعهما منع أي سفينة من الوصول إلى القسطنطينية من المناطق التي تقع شرقهامثل مملكة (طرابزون ) وغيرها من الأماكن التي تستطيع دعم المدينة عند الحاجة. ([23])

كان السلطان محمد الثاني يفكر في فتح القسطنطينية ويخطط لما يمكن عمله من أجل تحقيق الهدف والطموح، فسيطرت فكرة الفتح على عقل السلطان وجوارحه، فلا يتحدث إلا في أمر الفتح ولا يأذن لأحد من جلسائه بالحديث في غير الفتح الذي ملك قلبه وعقله وحرمه من النوم الهادئ. وساقت له الأقدار مهندس يدعى "أوربان"، عرض عليه أن يصنع له مدفعا ضخما يقذف قذائف هائلة تكفي لفتح أسوار القسطنطينية؛ فرحب به السلطان وأمر بتزويده بكل ما يحتاجه من معدات، ولم تمض ثلاثة أشهر حتى تمكن أوربان من صنع مدفع عظيم لم يُر مثله قط، فقد كان يزن 700 طن، ويرمي بقذائف زنة الواحدة منها 12 ألف رطل، ويحتاج جره إلى 100 ثور يساعدها مائة من الرجال، وعند تجربته سقطت قذيفته على بعد ميل، وسمع دويه على بعد 13 ميلا، وقد قطع هذا المدفع الذي سُمي بالمدفع السلطاني الطريق من أدرنة إلى موضعه أمام أسوار القسطنطينية في   شهرين. ([24])

أ- اهتمام السلطان بجمع الأسلحة اللازمة:

اعتنى السلطان عناية خاصة بجمع الأسلحة اللازمة لفتح القسطنطينية، ومن أهمها المدافع التي أخذت اهتماماً خاصاً منه حيث أحضر مهندساً مجرياً يدعى (أوربان) كان بارعاً في صناعة المدافع فأحسن استقباله ووفر له جميع الإمكانيات المالية والمادية والبشرية، وقد تمكن هذا المهندس من تصميم وتنفيذ العديد من المدافع الضخمة كان على رأسها المدفع السلطاني المشهور، والذي ذكر أن وزنه كان يصل إلى مئات الأطنان وأنه يحتاج إلى مئات الثيران القوية لتحريكه، وقد أشرف السلطان بنفسه على صناعة هذه المدافع وتجريبها. ([25])

ب- الاهتمام بالأسطول:

ويضاف إلى هذا الاستعداد ما بذله الفاتح من عناية خاصة بالأسطول العثماني حيث عمل على تقويته وتزويده بالسفن المختلفة ليكون مؤهلاً للقيام بدوره في الهجوم على القسطنطينية، تلك المدينة البحرية التي لا يكمل حصارها دون وجود قوة بحرية تقوم بهذه المهمة ،وقد ذكر أن السفن التي أعدت لهذا الأمر بلغت أكثرمن أربعمائة سفينة. ([26])

ج- عقد معاهدات:

كما عمل الفاتح قبل هجومه على القسطنطينية على عقد معاهدات مع أعدائه المختلفين ليتفرغ لعدو واحد، فعقد معاهدة مع إمارة (غلطة) المجاورة للقسطنطينية من الشرق ويفصل بينهما مضيق (القرن الذهبي) ،كما عقد معاهدات مع (المجد) و (البندقية) وهما من الأمارات الأوروبية المجاورة ،ولكن هذه المعاهدات لم تصمد حينما بدأ الهجوم الفعلي على القسطنطينية ، حيث وصلت قوات من تلك المدن وغيرها للمشاركة في الدفاع عن القسطنطينية مشاركة لبني عقيدتهم من النصارى متناسين عهودهم ومواثيقهم مع المسلمين. ([27])

في هذه الأثناء التي كان السلطان يعد العدة فيها للفتح ،استمات الإمبراطور البيزنطي في محاولاته لثنيه عن هدفه ، بتقديم الأموال والهدايا المختلفة إليه ، بمحاولة رشوة بعض مستشاريه ليؤثرواعلى قراره ولكن السلطان كان عازماً على تنفيذ مخططه ولم تثنه هذه الأمور عن هدفه ،ولما رأى الإمبراطور البيزنطي شدة عزيمة السلطان على تنفيذ هدفه عمد إلى طلب المساعدات من مختلف الدول والمدن الأوربية وعلى رأسها البابا زعيم المذهب الكاثوليكي ، في الوقت الذي كانت فيه كنائس الدولة البيزنطية وعلى رأسها القسطنطينية تابعة للكنيسة الأرثوذكسية وكان بينهما عداء شديد ، وقد اضطر الإمبراطور لمجاملة البابا بأن يتقرب إليه ويظهر له استعداده للعمل على توحيد الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية لتصبح خاضعة له ، في الوقت الذي لم يكن الأرثوذكس يرغبون في ذلك ، وقد قام البابا بناءً على ذلك بإرسال مندوب منه إلى القسطنطينية ،خطب في كنيسة آيا صوفيا ودعا للبابا وأعلن توحيد الكنيستين ، مما أغضب جمهور الأرثوذكس في المدينة ، وجعلهم يقومون بحركة مضادة لهذا العمل الإمبراطوري الكاثوليكي المشترك ، حتى قال بعض زعماء الأرثوذكس:    ( إنني أفضل أن أشاهد في ديارالبيزنط عمائم الترك على أن أشاهد القبعة اللاتينية) ([28])

د-بدء الحصار

وصل السلطان العثماني في جيشه الضخم أمام الأسوار الغربية للقسطنطينية المتصلة بقارة أوروبا يوم الجمعة الموافق (12 من رمضان 805هـ= 5 من إبريل 1453م) ونصب سرادقه ومركز قيادته أمام باب القديس "رومانويس"، ونصبت المدافع القوية البعيدة المدى، ثم اتجه السلطان إلى القبلة وصلى ركعتين وصلى الجيش كله، وبدأ الحصار الفعلي وتوزيع قواته، ووضع الفرق الأناضولية وهي أكثر الفرق عددًا عن يمينه إلى ناحية بحر مرمرة، ووضع الفرق الأوروبية عن يساره حتى القرن الذهبي، ووضع الحرس السلطاني الذي يضم نخبة الجنود الانكشارية وعددهم نحو 15 ألفًا في الوسط. وتحرك الأسطول العثماني الذي يضم 350 سفينة في مدينة "جاليبولي" قاعدة العثمانيين البحرية في ذلك الوقت، وعبر بحر مرمرة إلى البوسفور وألقى مراسيه هناك، وهكذا طوقت القسطنطينية من البر والبحر بقوات كثيفة تبلغ 265 ألف مقاتل، لم يسبق أن طُوقت بمثلها عدة وعتادًا، وبدأ الحصار الفعلي في السبت الموافق (13 من رمضان 805هـ = 6 من إبريل 1453م)، وطلب السلطان من الإمبراطور "قسطنطين" أن يسلم المدينة إليه وتعهد باحترام سكانها وتأمينهم على أرواحهم ومعتقداتهم وممتلكاتهم، ولكن الإمبراطور رفض؛ معتمدًا على حصون المدينة المنيعة ومساعدة الدول النصرانية   له. ([29])

المبحث الثاني: وضع القسطنطينية:ـ

تحتل القسطنطينية موقعا منيعا، حباه الله بأبدع ما تحبى به المدن العظيمة، تحدها من الشرق مياه البوسفور، ويحدها من الغرب والجنوب بحر مرمرة، ويمتد على طول كل منها سور واحد. أما الجانب الغربي فهو الذي يتصل بالقارة الأوروبية ويحميه سوران طولهما أربعة أميال يمتدان من شاطئ بحر مرمرة إلى شاطئ القرن الذهبي، ويبلغ ارتفاع السور الداخلي منهما نحو أربعين قدمًا ومدعماَ بأبراج يبلغ ارتفاعها ستين قدما، وتبلغ المسافة بين كل برج وآخر نحو مائة وثمانين قدما. أما السور الخارجي فيبلغ ارتفاعه خمسة وعشرين قدما، ومحصن أيضا بأبراج شبيهة بأبراج السور الأول، وبين السورين فضاء يبلغ عرضه ما بين خمسين وستين قدما، وكانت مياه القرن الذهبي الذي يحمي ضلع المدينة الشمالي الشرقي يغلق بسلسلة حديدية هائلة يمتد طرفاها عند مدخله بين سور غلطة وسور القسطنطينية، ويذكر المؤرخون العثمانيون أن عدد المدافعين عن المدينة المحاصرة بلغ أربعين ألف مقاتل. ([30])

بعد ما أحسن السلطان ترتيب وضع قواته أمام أسوار القسطنطينية بدأت المدافع العثمانية تطلق قذائفها الهائلة على السور ليل نهار لا تكاد تنقطع، وكان دوي اصطدام القذائف بالأسوار يملأ قلوب أهل المدينة فزعا ورعبا، وكان كلما انهدم جزء من الأسوار بادر المدافعون عن المدينة إلى إصلاحه على الفور، واستمر الحال على هذا الوضع.. هجوم جامح من قبل العثمانيين، ودفاع مستميت يبديه المدافعون، وعلى رأسهم جون جستنيان، والإمبراطور البيزنطي. ([31]) وفي الوقت الذي كانت تشتد فيه هجمات العثمانيين من ناحية البر حاولت بعض السفن العثمانية تحطيم السلسلة على مدخل ميناء القرن الذهبي واقتحامه، ولكن السفن البيزنطية والإيطالية المكلفة بالحراسة والتي تقف خلف السلسلة نجحت في رد هجمات السفن العثمانية، وصبت عليها قذائفها وأجبرتها على الفرار. وكانت المدينة المحاصرة تتلقى بعض الإمدادات الخارجية من بلاد المورة وصقلية، وكان الأسطول العثماني مرابطا في مياه البوسفور الجنوبية منذ (22 من رمضان 805هـ = 15 من إبريل 1453م)، ([32]) ووقفت قطعة على هيئة هلال لتحول دون وصول أي مدد ولم يكد يمضي 5 أيام على الحصار البحري حتى ظهرت 5 سفن غربية، أربع منها بعث بها البابا في روما لمساعدة المدينة المحاصرة، وحاول الأسطول العثماني أن يحول بينها وبين الوصول إلى الميناء واشتبك معها في معركة هائلة، لكن السفن الخمس تصدت ببراعة للسفن العثمانية وأمطرتها بوابل من السهام والقذائف النارية، فضلا عن براعة رجالها وخبرتهم التي تفوق العثمانيين في قتال البحر، الأمر الذي مكنها من أن تشق طريقها وسط السفن العثمانية التي حاولت إغراقها لكن دون جدوى ونجحت في اجتياز السلسلة إلى الداخل. كان لنجاح السفن في المرور أثره في نفوس أهالي المدينة المحاصرة؛ فانتعشت آمالهم وغمرتهم موجة من الفرح بما أحرزوه من نصر، وقويت عزائمهم على الثبات والصمود، وفي الوقت نفسه أخذ السلطان محمد الثاني يفكِّر في وسيلة لإدخاله القرن الذهبي نفسه وحصار القسطنطينية من أضعف جوانبها وتشتيت قوى المدينة المدافعة. ([33]) واهتدى السلطان إلى خطة موفقة اقتضت أن ينقل جزءًا من أسطوله بطريق البر من منطقة غلطة إلى داخل الخليج؛ متفاديا السلسلة، ووضع المهندسون الخطة في الحال وبُدئ العمل تحت جنح الظلام وحشدت جماعات غفيرة من العمال في تمهيد الطريق الوعر الذي تتخلله بعض المرتفعات، وغُطي بألواح من الخشب المطلي بالدهن والشحم، وفي ليلة واحدة تمكن العثمانيون من نقل سبعين سفينة طُويت أشرعتها تجرها البغال والرجال الأشداء، وذلك في ليلة (29 من رمضان 805هـ = 22 من إبريل 1453م). ([34]) وكانت المدافع العثمانية تواصل قذائفها حتى تشغل البيزنطيين عن عملية نقل السفن، وما كاد الصبح يسفر حتى نشرت السفن العثمانية قلوعها ودقت الطبول وكانت مفاجأة مروعة لأهل المدينة المحاصرة. وبعد نقل السفن أمر السلطان محمد بإنشاء جسر ضخم داخل الميناء، عرضه خمسون قدما، وطوله مائة، وصُفَّت عليه المدافع، وزودت السفن المنقولة بالمقاتلين والسلالم، وتقدمت إلى أقرب مكان من الأسوار، وحاول البيزنطيون إحراق السفن العثمانية في الليل، ولكن العثمانيين علموا بهذه الخطة فأحبطوها،([35]) (1) وتكررت المحاولة وفي كل مرة يكون نصيبها الفشل والإخفاق. الهجوم الكاسح وسقوط المدينة استمر الحصار بطيئا مرهقا والعثمانيون مستمرون في ضرب الأسوار دون هوادة، وأهل المدينة المحاصرة يعانون نقص المؤن ويتوقعون سقوط مدينتهم بين يوم وآخر، خاصة وأن العثمانيين لا يفتئون في تكرار محاولاتهم الشجاعة في اقتحام المدينة التي أبدت أروع الأمثلة في الدفاع والثبات، وكان السلطان العثماني يفاجئ خصمه في كل مرة بخطة جديدة لعله يحمله على الاستسلام أو طلب الصلح، لكنه كان يأبى، ولم يعد أمام السلطان سوى معاودة القتال بكل ما يملك من قوة. وفي فجر يوم الثلاثاء (20 من شوال 805هـ= 29 من مايو 1453م)، ([36]) وكان السلطان العثماني قد أعد أهبته الأخيرة، ووزَّع قواته وحشد زهاء 100 ألف مقاتل أمام الباب الذهبي، وحشد في الميسرة 50 ألفًا، ورابط السلطان في القلب مع الجند الإنكشارية، واحتشدت في الميناء 70 سفينة _بدأ الهجوم برًا وبحرًا، واشتد لهيب المعركة وقذائف المدافع يشق دويها عنان السماء ويثير الفزع في النفوس، وتكبيرات الجند ترج المكان فيُسمع صداها من أميال بعيدة، والمدافعون عن المدينة يبذلون كل ما يملكون دفاعا عن المدينة، وما هي إلا ساعة حتى امتلأ الخندق الكبير الذي يقع أمام السور الخارجي بآلاف القتلى. وفي أثناء هذا الهجوم المحموم جرح "جستنيان" في ذراعه وفخذه، وسالت دماؤه بغزارة فانسحب للعلاج رغم توسلات الإمبراطور له بالبقاء لشجاعته ومهارته الفائقة في الدفاع عن المدينة، وضاعف العثمانيون جهدهم واندفعوا بسلالمهم نحو الأسوار غير مبالين بالموت الذي يحصدهم حصدا، حتى وثب جماعة من الانكشارية إلى أعلى السور، وتبعهم المقاتلون وسهام العدو تنفذ إليهم،([37]) ولكن ذلك كان دون جدوى، فقد استطاع العثمانيون أن يتدفقوا نحو المدينة، ونجح الأسطول العثماني في رفع السلاسل الحديدية التي وضعت في مدخل الخليج، وتدفق العثمانيون إلى المدينة التي سادها الذعر، وفر المدافعون عنها من كل ناحية، وما هي إلا ثلاث ساعات من بدء الهجوم حتى كانت المدينة العتيدة تحت أقدام الفاتحين. ([38]) 

المبحث الثالث: الهجوم:

كانت القسطنطينية محاطة بالمياه البحرية في ثلاث جبهات، مضيق البسفور، وبحر مرمرة، والقرن الذهبي الذي كان محمياً بسلسلة ضخمة جداً تتحكم في دخول السفن إليه، وبالإضافة إلى ذلك فإن خطين من الأسوار كانت تحيط بها من الناحية البرية من شاطئ بحر مرمرة إلى القرن الذهبي، يتخللها نهر ليكوس، وكان بين السورين فضاء يبلغ عرضه 60 قدماً ويرتفع السور الداخلي منها 40 قدماً وعليه أبراج يصل ارتفاعها إلى 60 قدماً، وأما السور الخارجي فيبلغ ارتفاعه قرابة خمس وعشرين قدماً وعليه أبراج موزعة مليئة بالجند، وبالتالي فإن المدينة من الناحية العسكرية تعد من أفضل مدن العالم تحصيناً، لما عليها من الأسوار والقلاع والحصون إضافة إلى التحصينات الطبيعية، وبالتالي فإنه يصعب اختراقها، ولذلك فقد استعصت على عشرات المحاولات العسكرية لاقتحامها ومنها إحدى عشرة محاولة إسلامية سابقة. ([39])

كان السلطان الفاتح يكمل استعدادات القسطنطينية ويعرف أخبارها ويجهز الخرائط اللازمة لحصارها ، كما كان يقوم بنفسه بزيارات استطلاعية يشاهد فيها استحكامات القسطنطينية وأسوارها ، وقد عمل السلطان على تمهيد الطريق بين أدرنة والقسطنطينية لكي تكون صالحة لجر المدافع العملاقة خلالها إلى القسطنطينية ، وقد تحركت المدافع من أدرنة إلى قرب القسطنطينية ، في مدة شهرين حيث تمت حمايتها بقسم من الجيش حتى وصلت الأجناد العثمانية يقودها الفاتح بنفسه إلى مشارف القسطنطينية في يوم الخميس 26 ربيع الأول 857هـ الموافق 6 أبريل 1453م ، فجمع الجند وكانوا قرابة مائتين وخمسين ألف جندي ، فخطب فيهم خطبة قوية حثهم فيها على الجهاد وطلب النصر أو الشهادة ،وذكرهم فيها بالتضحية وصدق القتال عند اللقاء ، وقرأ عليهم الآيات القرآنية التي تحث على ذلك ، كما ذكر لهم الأحاديث النبوية التي تبشر بفتح القسطنطينية وفضل الجيش الفاتح لها وأميره ، وما في فتحها من عز الإسلام والمسلمين ، وقد بادر الجيش بالتهليل والتكبير والدعاء. ([40])

وكان العلماء مبثوثين في صفوف الجيش مقاتلين ومجاهدين مما أثر في رفع معنوياتهم حتى كان كل جندي ينتظر القتال بفارغ الصبر ليؤديما عليه من واجب.

وفي اليوم التالي قام السلطان بتوزيع جيشه البري أمام الأسوار الخارجية للمدينة، مشكلاً ثلاثة أقسام رئيسية تمكنت من إحكام الحصار البري حول مختلف الجهات، كما أقام الفاتح جيوشاً احتياطية خلف الجيوش الرئيسية، وعمل على نصب المدافع أمام الأسوار، ومن أهمها المدفع السلطاني العملاق الذي أقيم أمام باب طب قابي، كما وضع فرقاً للمراقبة في مختلف المواقع المرتفعة والقريبة من المدينة، وفي نفس الوقت انتشرت السفن العثمانية في المياه المحيطة بالمدينة، إلا أنها لم تستطع الوصول إلى القرن الذهبي بسبب وجود السلسلة الضخمة التي منعت أي سفينة من دخوله بل وتدمر كل سفينة تحاول الدنو والاقتراب، واستطاع الأسطول العثماني أن يستولي على جزر الأمراء في بحر مرمرة. ([41])

وحاول البيزنطيون أن يبذلوا قصارى جهدهم للدفاع عن القسطنطينية ووزعوا الجنود على الأسوار، وأحكموا التحصينات، وأحكم الجيش العثماني قبضته على المدينة، ولم يخلُ الأمر من وقوع قتال بين العثمانيين المهاجمين والبيزنطيين المدافعيين منذ الأيام الأولى للحصار، وفتحت أبواب الشهادة وفاز عدد كبير من العثمانيين بها خصوصاً من الأفراد الموكلين بالاقتراب من الأبواب. ([42])

وكانت المدفعية العثمانية تطلق مدافعها من مواقع مختلفة نحو المدينة، وكان لقذائفها ولصوتها الرهيب دور كبير في إيقاع الرعب في قلوب البيزنطيين، وقد تمكنت من تحطيم بعض الأسوار حول المدينة، ولكن المدافعين كانوا سرعان ما يعيدون بناء الأسوار وترميمها. ([43])

ولم تنقطع المساعدات المسيحية من أوروبا، ووصلت إمدادات من (جنوة ) مكونة من خمس سفن وكان يقودها القائد الجنوي ( جستنيان) يرافقه سبعمائة مقاتل متطوع من دول أوربية متعددة، واستطاعت سفنهم أن تصل إلى العاصمة البيزنطية العتيقة بعد مواجهة بحرية مع السفن العثمانية المحاصرة للمدينة، وكان لوصول هذه القوات أثر كبير في رفع معنويات البيزنطيين، وعين قائدها ( جستنيان ) قائداً عاماً للقوات المدافعة عن المدينة. ([44])

وقد حاولت القوات البحرية العثمانية تخطي السلسلة الضخمة التي تتحكم في مدخل القرن الذهبي والوصول بالسفن الإسلامية إليه ، وأطلقوا سهامهم على السفن الأوروبية والبيزنطية ولكنهم فشلوا في تحقيق مرادهم في البداية وارتفعت الروح المعنوية للمدافعين عن المدينة. ([45])

ولم يكل القس ورجال الدين النصارى، فكانوا يطوفون بشوارع المدينة، وأماكن التحصين ويحرضون المسيحيين على الثبات والصبر، ويشجعون الناس على الذهاب إلى الكنائس ودعاء المسيح والسيدة والعذراء أن يخلصوا المدينة، وأخذ الإمبراطور قسطنطين يتردد بنفسه على كنيسة أيا صوفيا لهذا الهدف([46]).

 

الفصل الثالث

أثار  فتح القسطنطينية على المسلمين والصليبيين

المبحث الأول: معاملة محمد الفاتح للنصارى المغلوبين

المبحث الثاني: أثار  فتح القسطنطينية على المسلمين والصليبيين

المبحث الثالث: رسائل محمد الفاتح إلى سلطان مصر وشريف مكة

المبحث الأول: معاملة محمد الفاتح للنصارى المغلوبين :

توجه محمد الفاتح إلى كنيسة( آيا صوفية ) وقد اجتمع فيها خلق كبير من الناس ومعهم القسس والرهبان الذين كانوا يتلون عليهم صلواتهم وأدعيتهم ، وعندما اقترب من أبوابها خاف النصارى داخلها خوفاً عظيماً ، وقام أحد الرهبان بفتح الأبواب له فطلب من الراهب تهدئة الناس وطمأنتهم والعودة إلى بيوتهم بأمان ، فأطمأن الناس وكان بعض الرهبان مختبئين في سراديب الكنيسة ، فلما رأوا تسامح الفاتح وعفوه خرجوا وأعلنوا إسلامهم ، وصلى فيها الفاتح صلاة العصر ، وقد أمر الفاتح بعد ذلك بتحويل الكنيسة إلى مسجد وأن يعد لهذا الأمر حتى تقام بها أول جمعة قادمة ، وقد أخذ العمال يعدون لهذا الأمر ، فأزالوا الصلبان والتماثيل وطمسوا الصور بطبقة من الجير وعملوا منبراً للخطيب ، وقد يجوز تحويل الكنسية إلى المسجد لأن البلد فتحت عنوة والعنوة لها حكمها في الشريعة الإسلامية. ([47])

ثم أمر بدفن الإمبراطور بما يليق بمكانته ، وقد أعطى السلطان للنصارى حرية إقامة الشعائر الدينية واختيار رؤسائهم الدينين الذين لهم حق الحكم في القضايا المدينة ، كما أعطى هذا الحق لرجال الكنيسة في الأقاليم الأخرى ولكنه في الوقت نفسه فرض الجزية على الجميع. ([48])

لقد حاول المؤرخ الإنجليزي ( ادوارد شيبرد كريسي ) في كتابة (تاريخ العثمانيين الأتراك ) أن يشوه صوره الفتح العثمانية للقسطنطينية، ووصف السلطان محمد الفاتح بصفات قبيحة حقداً منه وبغضاً للفتح الإسلامي المجيد ، وسارت الموسوعة الأمريكية المطبوعة في عام 1980م في حمأة الحقد الصليبي ضد الإسلام ، فزعمت أن السلطان محمد قام باسترقاق غالبية نصارى القسطنطينية ، وساقهم إلى اسواق الرقيق في مدينة دارنة حيث تم بيعهم هناك. ([49])

إن الحقيقة التاريخية الناصعة تقول : إن السلطان محمد الفاتح عامل أهل القسطنطينية معاملة رحيمة وأمر جنوده بحسن معاملة الأسرى و الرفق بهم ، وافتدى عدداً كبيراً من الأسرى من ماله الخاص وخاصة أمراء اليونان ، ورجال الدين ، واجتمع مع الأساقفة وهدأ من روعهم ، وطمأنهم إلى المحافظة على عقائدهم وشرائعهم وبيوت عبادتهم ، وأمرهم بتنصيب بطريرك جديد فانتخبوا           ( أجناديوس) بطريكا ، وتوجه هذا بعد انتخابه في موكب حافل من الأساقفة إلى مقر السلطان ، فاستقبله السلطان محمد الفاتح بحفاوة بالغة وأكرمه أيما تكريم ، وتناول معه الطعام وتحدث معه في موضوعات شتى ، دينية وسياسية واجتماعية ، وخرج البطريريك من لقاء السلطان ، وقد تغيرت فكرته تماماً على السلاطين العثمانيين وعن الأتراك ، بل والمسلمين عامة ، وشعر أنه أمام سلطان مثقف صاحب رسالة وعقيدة دينية راسخة وإنسانية رفيعة ، ورجولة مكتملة ، ولم يكن الروم أنفسهم أقل تأثراً ودهشة من بطريقهم ، فقد كانوا يتصورون أن القتل العام لا بد لاحقهم ، فلم تمض أيام قليلة حتى كان الناس يستأنفون حياتهم المدنية العادية في اطمئنان وسلام. ([50])

وهكذا فتحت مدينة الروم ، وكان عمر الفاتح آنذاك الخامسة والعشرين عاماً ، وبعد حصار دام خمسين يوماً ، وهي المدينة التي حوصرت تسعاً وعشرين مرة ، وكان بها من السكان آنذاك أزيد من 300 ألف نسمة . ([51])

المبحث الثاني: أثار  فتح القسطنطينية على المسلمين والصليبيين :

أثارها على الصليبيين والمجتمع الأوروبي :

كانت القسطنطينية قبل فتحها عقبة كبيرة في وجه انتشار الإسلام في أوروبا ولذلك فإن سقوطها يعني فتح الاسلام لدخول أوروبا بقوة وسلام لمعتنقيه أكثر من ذي قبل ، ويعتبر فتح القسطنطينية من أهم أحداث التاريخ العالمي، وخصوصاً تاريخ أوروبا وعلاقتها بالإسلام حتى عده المؤرخون الأوروبيون ومن تابعهم نهاية العصور الوسطى وبداية العصور الحديثة.

وقد قام السلطان بعد ذلك على ترتيب مختلف الأمور في المدينة، وإعادة تحصينها، واتخذها عاصمة للدولة العثمانية وأطلق عليها لقب اسلام بول أي مدينة الاسلام. ([52])

لقد تأثر الغرب الصليبي بنبأ هذا الفتح، وانتاب النصارى شعور بالفزع والالم والخزي ، وتجسم لهم خطر جيوش الاسلام القادمة من استنبول ، وبذل الشعراء والادباء ما في وسعهم لتأجيج نار الحقد وبراكين الغضب في نفوس النصارى ضد المسلمين ، وعقد الامراء والملوك اجتماعات طويلة ومستمرة وتنادى النصارى الى نبذ الخلافات والحزازات وكان البابا نيقولا الخامس أشد الناس تأثراً بنبأ سقوط القسطنطينية، وعمل جهده وصرف وقته في توحيد الدول الايطالية وتشجيعها على قتال المسلمين، وترأس مؤتمراً عقد في روما أعلنت فيه الدول المشتركة عن عزمها على التعاون فيما بينها وتوجيه جميع جهودها وقوتها ضد العدو المشترك. وأوشك هذا الحلف أن يتم إلا أن الموت عاجل البابا بسبب الصدمة العنيفة الناشئة عن سقوط القسطنطينية في يد العثمانيين والتي تسببت في همه وحزنه فمات كمداً في 25 مارس سنة 1455م. ([53])

وتحمس الأمير فيليب الطيب دوق بورجونديا والتهب حماساً وحمية واستنفر ملوك النصارى الى قتال المسلمين وحذ حذوه البارونات والفرسان والمتحمسون والمتعصبون للنصرانية، وتحولت فكرة قتال المسلمين الى عقيدة مقدسة تدفعهم لغزو بلادهم ، وتزعمت البابوية في روما حروب النصارى ضد المسلمين وكان السلطان محمد الفاتح بالمرصاد لكل تحركات النصارى، وخطط ونفذ مارآه مناسباً لتقوية دولته وتدمير أعدائه، واضطر النصارى الذين كانوا يجاورون السلطان محمد أو يتاخمون حدوده ففي آماسيا، وبلاد المورة ، طرابيزون وغيرهم أن يكتموا شعورهم الحقيقي، فتظاهروا بالفرح وبعثوا وفودهم الى السلطان في أدرنة لتهنئته على انتصاره العظيم([54])

وحاول البابا بيوس الثاني بكل ما أوتي من مقدرة خطابية ، وحنكة سياسية، تأجيج الحقد الصليبي في نفوس النصارى شعوباً وملوكاً، قادة وجنوداً واستعدت بعض الدول لتحقيق فكرة البابا الهادفة للقضاء على العثمانيين ولما حان وقت النفير اعتذرت دول أوروبا بسبب متاعبها الداخلية، فلقد انهكت حرب المائة عام انكلتر وفرنسا، كما أن بريطانيا كانت منهمكة في مشاغلها الدستورية وحروبها الأهلية، وأما أسبانيا فهي مشغولة بالقضاء على مسلمي الأندلس وأما الجمهوريات الايطالية فكانت تهتم بتوطيد علاقاتها بالدولة العثمانية مكرهة وحباً في المال ، فكانت تهتم بعلاقتها مع الدولة العثمانية. ([55])

وانتهى مشروع الحملة الصليبية بموت زعيمها البابا واصبحت المجر والبندقية تواجه الدولة العثمانية لوحدهما؛ أما البندقية فعقدت معاهدة صداقة وحسن جوار مع العثمانيين رعاية لمصالحها وأما المجر فقد انهزمت أمام الجيوش العثمانية واستطاع العثمانيون أن يضموا الى دولتهم بلاد الصرب، واليونان والافلاق والقرم والجزر الرئيسية في الأرخبيل. وقد تم ذلك في فترة قصيرة ، حيث داهمهم السلطان الفاتح، وشتت شملهم ، واخذهم أخذاً عظيماً. ([56])

وحاول البابا بيوس الثاني بكل ما أوتي من مهارة وقدرة سياسية تركيز جهوده في ناحيتين اثنتين : حاول أولاً أن يقنع الاتراك باعتناق الدين النصراني، ولم يقم بارسال بعثات تبشيرية لذلك الغرض وانما اقتصر على ارسال خطاب الى السلطان محمد الفاتح يطلب منه أن يعضد النصرانية، كما عضدها قبله قسطنطين وكلوفيس ووعده بأنه سيكفر عنه خطاياه ان هو اعتنق النصرانية مخلصاً، ووعده بمنحه بركته واحتضانه ومنحه صكاً بدخول الجنة. ولما فشل البابا في خطته هذه لجأ الى الخطة الثانية خطة التهديد والوعيد واستعمال القوة، وكانت نتائج هذه الخطة الثانية قد بدأ فشلها مسبقاً بهزيمة الجيوش الصليبية والقضاء على الحملة التي قادها هونياد المجري([57]).

 

أثارها على المسلمين :

وأما آثار هذا الفتح المبين في المشرق الاسلامي - فنقول لقد عم الفرح والابتهاج المسلمين في ربوع آسيا وأفريقيا فقد كان هذا الفتح حلم الأجداد وأمل الاجيال ، ولقد تطلعت له طويلاً وهاقد تحقق وارسل السلطان محمد الفاتح رسائل الى حكام الديار الاسلامية في مصر والحجاز وبلاد فارس والهند وغيرها؛ يخبرهم بهذا النصر الاسلامي العظيم- وأذيعت أنباء الانتصار من فوق المنابر، وأقيمت صلوات الشكر، وزينت المنازل والحوانيت وعلقت على الجدران والحوائط والأعلام والأقمشة المزركشة بألوانها المختلفة. يقول ابن إياس صاحب كتاب بدائع الزهور في هذه الواقعة : فلما بلغ ذلك ، ووصل وفد الفاتح، دقت البشائر بالقلعة، ونودي في القاهرة بالزينة، ثم أن السلطان عين برسباي أمير آخور ثاني رسولاً الى ابن عثمان يهنئه بهذا الفتح، وندع المؤرخ أبا المحاسن بن تغري بردي يصف شعور الناس وحالهم في القاهرة عندما وصل إليها وفد الفاتح ومعهم الهدايا واسيران من عظماء الروم، قال : قلت ولله الحمد والمنة على هذا الفتح العظيم وجاء القاصد المذكور ومعه اسيران من عظماء اسطنبول وطلع بهما الى السلطان سلطان مصر إينال وهما من أهل القسطنطينية وهي الكنيسة العظيمة باسطنبول فسر السلطان والناس قاطبة بهذا الفتح العظيم ودقت البشائر لذلك وزينت القاهرة بسبب ذلك أياماً ثم طلع القاصد المذكور وبين يديه الأسيران الى القلعة في يوم الاثنين خامس وعشرين شوال بعد أن اجتار القاصد المذكور ورفقته بشوارع القاهرة. وقد احتفلت الناس بزينة الحوانيت والأماكن وأمعنوا في ذلك الى الغاية وعمل السلطان الخدمة بالحوش السلطاني من قلعة الجبل.. ([58])

وهذا الذي ذكره ابن تغري بردي من وصف احتفال الناس وأفراحهم في القاهرة بفتح القسطنطينية ما هو إلا صورة لنظائر لها قامت في البلاد الإسلامية الأخرى. وقد بعث السلطان محمد الفاتح برسائل الفتح إلى سلطان مصر وشاه ايران وشريف مكة وأمير القرمان، كما بعث بمثل هذه الرسائل إلى الأمراء المسيحيين المجاورين له في المورة والأفلاق والمجر والبوسنة وصربيا وألبانيا والى جميع أطراف مملكت([59]).

 

المبحث الثالث: رسائل محمد الفاتح إلى سلطان مصر وشريف مكة :

رسائله إلى سلطان مصر :

مقتطفات من رسالة الفاتح إلى أخيه سلطان مصر الأشرف إينال وهي من إنشاء الشيخ أحمد الكوراني: "إن من أحسن سنن أسلافنا -رحمهم الله تعالى- أنهم مجاهدون في سبيل الله, ولا يخافون لومة لائم, ونحن على تلك السنة قائمون وعلى تيك الأمنية دائمون, ممتثلين بقوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [التوبة: 29]، ومستمسكين بقوله  "من أغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار". فهممنا في هذا العام عممه الله بالبركة والإنعام, معتصمين بحبل الله ذي الجلال والإكرام, ومتمسكين بفضل الملك العلام إلى أداء فرض الغزاء في الإسلام, مؤتمرين بأمره تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ} [التوبة: 123], وجهزنا عساكر الغزاة والمجاهدين من البر والبحر لفتح مدينة ملئت فجورًا وكفرًا التي بقيت وسط الممالك الإسلامية تباهي بكفرها فخرًا. ([60])

فكأنها حصف على الخد الأغر *** وكأنها كلف على وجه القمر

هذه المدينة الواقع جانب منها في البحر وجانب منها في البر، فأعددنا لها كما أمرنا الله بقوله: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60], كل أهبة يعتد بها وجميع أسلحة يعتمد عليها من البرق والرعد والمنجنيق والنقب والحجور وغيرها من جانب البر, والفلك المشحون والجوار المنشآت في البحر كالأعلام من جانب البحر, ونزلنا عليها في السادس والعشرين من ربيع الأول من شهور سنة سبع وخمسين وثمانمائة. ([61])

فقلت للنفس جدي الآن فاجتهدي *** وساعديني فهـذا مـا تمنـيت

فكلما دعوا إلى الحق أصروا واستكبروا وكانوا من الكافرين, فأحطنا بها محاصرة وحاربناهم وحاربونا وقاتلناهم وقاتلونا, وجرى بيننا وبينهم القتال أربعة وخمسين يومًا وليلة.

إذا جاء نصر الله والفتح هين *** على المرء معسور الأمور وصعبها

فمتى طلع الصبح الصادق من يوم الثلاثاء يوم العشرين من جمادى الأولى هجمنا مثل النجوم رجومًا لجنود الشياطين, سخرها الحكم الصديقي ببركة العدل الفاروقي بالضرب الحيدري لآل عثمان, قد مَنَّ الله بالفتح قبل أن تظهر الشمس من مشرقها, {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ * بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهي وَأَمَرُّ} [القمر: 45، 46].

وأول من قتل وقطع رأسه تكفورهم اللعين الكنود, فأهلكوا كقوم عاد وثمود, فأخذتهم ملائكة العذاب, فأوردهم النار وبئس المآب, فقتل من قتل وأسر من به بقي, وأغاروا على خزاينهم, وأخرجوا كنوزهم ودفائينهم موفورًا, فأتى عليهم حين من الدهر لم يكن شيئًا مذكورًا, وقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين, فيومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، فلما ظهرنا على هؤلاء الأرجاس الأنجاس الحلوس, طهرنا القوس من القسوس, وأخرجنا منه الصليب والناقوس, وصيرنا معابد عبدة الأصنام مساجد أهل الإسلام, وتشرفت تلك الخطة بشرف السكة والخطبة, فوقع أمر الله وبطل ما كانوا يعملون..." ([62])

رسائله إلى شريف مكة:

وجه السلطان محمد الفاتح رسالة إلى شريف مكة المكرمة بمناسبة فتح القسطنطينية بشره فيها بالفتح، وطلب الدعاء، وأرسل له الهدايا من الغنائم، وهذه بعض فقراتها:

بعد مقدمة في المدح والثناء على شريف "مكة المكرمة" يقول:

"فقد أرسلنا هذا الكتاب مبشرًا بما رزق الله لنا في هذه السنة من الفتوح التي لا عين رأت ولا أذن سمعت، وهي تسخير البلدة المشهورة بالقسطنطينية، فالمأمول من مقر عزكم الشريفة أن يبشر بقدوم هذه المسرة العظمى والموهبة الكبرى، مع سكان الحرمين الشريفين، والعلماء والسادات المهتدين، والزهاد والعباد الصالحين، والمشايخ، والأمجاد الواصلين، والأئمة الخيار المتقين، والصغار والكبار أجمعين، والمتمسكين بأذيال سرادقات بيت الله الحرام([63])، التي كالعروة الوثقى لا انفصام لها والمشرفين بزمزم والمقام، والمعتكفين في قرب جوار رسول الله عليه التحية والسلام, داعين لدوام دولتنا في العرفات، متضرعين من الله نصرتنا، أفاض علينا بركاتهم ورفع درجاتهم، وبعثنا مع المشار إليه هدية لكم خاصة ألفي فلوري من الذهب الخالص التام الوزن والعيار المأخوذ من تلك الغنيمة، وسبعة آلاف فلوري أخرى للفقراء، منها ألفان للسادات والنقباء، وألف للخدام المخصوصين للحرمين، والباقي للمساكين المحتاجين في مكة والمدينة المنورة، زادهما الله شرفًا، فالمرجو منكم التقسيم بينهم بمقتضى احتياجهم وفقرهم، وإشعار كيفية السير إلينا، وتحصيل الدعاء منهم لنا، دائمًا باللطف والإحسان إن شاء الله تعالى، والله يحفظكم ويبقيكم بالسعادة الأبدية والسيادة السرمدية إلى يوم الدين". ([64])

وقد رد شريف مكة على رسالة السلطان محمد الفاتح:

"وفتحناها بكمال الأدب، وقرأناها مقابل الكعبة المعظمة بين أهل الحجاز وأبناء العرب, فرأينا فيها من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين، وشاهدنا من فحاويها ظهور معجزة رسول الله خاتم النبيين وما هي إلا فتح "القسطنطينية" العظمى وتوابعها التي متانة حصنها مشهورة بين الأنام، وحصانة سورها معروفة عند الخواص والعوام وحمدنا الله بتيسير ذلك الأمر العسير وتحصيل ذلك المهم الخطير، وبششنا ذلك غاية البشاشة، وابتهجنا من إحياء مراسم آبائكم العظام والسلوك مسالك أجدادكم الكرام، روّح الله أرواحهم، وجعل أعلى غرف الجنان مكانهم، في إظهار المحبة لسكان الأراضي المقدسة"([65

 

الخاتمة

          بعد أن حكم هذا العاهل الكبير أحدى وثلاثين سنة، حقق فيها من جسام الأعمال الشيء الكثير، وفتح عهداً جديداً في العالم الإسلامي، وغير مجرى تاريخ العالم كله، جاءه الأجل الذي لا يرد فمات – رحمه الله تعالى – وسط جيشه ، في ليلة الجمعة الخامس من ربيع الأول سنة (886هـ/ 1481م) وهو في سن الحدية والخمسين من عمره.

          وقصة وفاته تدلنا على عظمة هذا السلطان الجليل، وتزيد القارئ احتراما واجلالاً لشخصيته، فقد انتقل السلطان من استانبول العاصمة إلى اسكدار في السادس والعشرين من شهر صفر سنة 886هـ، وكان قبل مغادرته عاصمة ملكه قد انتابته وعكة خفيفة لم يحفل بها، وفي الطريق اشتد به المرض وثقلت وطأته ، ولم تمض أيام قليلة على ذلك حتى وافته المنية، ورفعت روحه الطاهرة إلى بارئها. هذا وفي الوقت الذي انطفأت فيه حياة هذا البطل بموته شبه المفاجئ، كان على أهبة الخروج بجيشه المظفر إلى حرب جديدة قيل أن وجهتها كانت إيطاليا، ليتم له فتحها ، لكن المنية اعترضت هذه المرة هذا المجاهد النبيل، وانتهت قصة حياة كانت البطولة بدايتها ونهايتها.

          ولم تطو صحيفة السلطان محمد الفاتح حتى بدأ الازدهار واضحاً في العاصمة الإسلامية الجديدة " القسطنطينية" والتي أخذت اسماً إسلامياً هو " أسلام بول" أي " عاصمة الإسلام" والتي تحورت نتيجة النطق التركي لهذه الكلمة الجميلة إلى " استانبول" وسرعان ما انتهت إلى أن تكون مركزاً من أهم المراكز الثقافية في العالم الإسلامي وقبلة لمعظم سكانه، وأصبحت عاصمة حقيقية لدولة هي أقوى دولة في العالم في عصرها، بعد أن كانت عاصمة لدولة منهارة مضمحلة، وسيظل أسمها ما بقيت مقرونا باسم منشئها قسطنطين الأكبر وفاتحها السلطان محمد الفاتح.

          وإذا كنا في هذا البحث قد عرضنا سيرة السلطان الفاتح بإيجاز ، فهي على إيجازها سيرة عظيمة ، على المسلمين أن يتعرفوا عليها، وينتفعوا بها، ويكبروا من شأن صاحبها، فهو عظيم من كلمة الرجال، فإذا ذكرنا القادة العسكريين فهو في زمرتهم ، وأن عددنا المقننين فهو سيدهم، وأن جاء ذكر الأدباء والشعراء فهو صاحب ذوق أدبي رقيق وفن جميل، وأن فتشنا عن أولئك النفر القليل جداً من الرجال الذين جمعوا كمال الرجولة ومظاهر العمة وجدناه واحداً من هذا القليل، فرحمه الله رحمة واسعة، ونفع بسيرته المسلمين.

 

المصادر والمراجع

1.      أبو الفداء الحافظ بن كثير الدمشقي، البداية والنهاية، دار الريان، الطبعة الأولى، القاهرة 1998م.

2.      أبو الفلاح عبد الحي ابن العماد، شذرات الذهب في اخبار من ذهب، مطبعة القدسي ، القاهرة 1351هـ.

3.      أبو المحاسن يوسف ابن تعزي بردي، النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة،ج12، دار الكتب المصرية، القاهرة 1986م.

4.      أبو المحاسن يوسف ابن تغري بردي، حوادث الدهور في مدى الأيام والشهور، طبعة كاليفورنيا 1930-1932م.

5.      أبي حسن الماوردي، الأحكام السلطانية ، دار الكتب العلمية، الطبعة الثالثة، بيروت 2002م.

6.      أحمد بن مصطفى بن خليل طاشكبري، الشقائق النعمانية في علماء الدولة العثمانية، المطبعة الميمنية، الطبعة الأولى، القاهرة 1410هـ.

7.      أحمد مختار باشان فتح جليل قسطنطينية ، دار صادر ، الطبعة الثالثة، بيروت 1993م.

8.      جمال عبد الهادي، الدولة العثمانية،  الانجلو المصرية، الطبعة الأولى، القاهرة 1999م.  

9.      حسن أحمد محمود، الإسلام في آسيا الوسطى بين الفتحين العربي والتركي، نشر الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1972م.

10.حسين مجيب المصري، تاريخ الأدب التركي، مطبعة الفكرة، الطبعة الأولى، القاهرة 1991م.

11.خير الله أفندي، تاريخ دولت علية عثمانية، قسطنطينية، 1281هـ.

12.رفيق العظم، أشهر مشاهير الإسلام في الحرب والسياسة، دار الرائد العربي، الطبعة الأولى، بيروت 1418هـ/ 1997م.

13.سالم الرشيدي، محمد الفاتح ، نشر مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر، الطبعة الأولى، القاهرة 1996م.

14.سالم الرشيدي، محمد الفاتح، نشر مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، الطبعة الثالثة، القاهرة، 1427هـ/ 2006م.

15.سعد الدين أفندي، خواجه، تاريخ التواريخ، دار وائل للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، الأردن، عمان 1989م.

16.سليمان بن صالح بن سليمان آل كما، الإدارة العسكرية في الدول الإسلامية نشأتها وتطورها، دار إحياء التراث، الطبعة الأولى، 1419هـ/ 1998م.

17.سمير الحلبي، فتح القسطنطينية بين الحلم والخيال العربي، دار صادر، الطبعة الرابعة، بيروت 1425هـ/ 2004م.

18.السيد عبد العزيز سالم، تاريخ الدولة العثمانية، الانجلو المصرية، القاهرة 1995م.

19.عبد السلام عبد العزيز فهمي، فتح القسطنطينية ، نشر الهيئة المصرية العامة للتألف والنشر، دار الكتاب العرب، المكتبة الثقافية، العدد 288، القاهرة 1969م.

20.عبد العزيز محمد الشناوي، أوروبا في مطلع العصور الحديثة، دار المعارف مصر، القاهرة 2001م.

21.علي حسون، تاريخ الدولة العثمانية، دار صادر ، الطبعة الأولى، بيروت 997م.

22.علي محمد صلابي، الدولة العثمانية ، دار وائل للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، عمان، الأردن 2001م.

23.عمر كمال توفيق ، تاريخ الامبراطورية البيزنطية، دار المعارف، الطبعة الثانية، القاهرة 2002م.

24.محمد ابن أحمد ابن أياس، بدائع الزهور في وقائع الدهور، المطبعة الأميرية ببولاق، القاهرة 1411هـ.

25.محمد جميل بيهم، أوليات سلاطين تركيا، مطبعة العرفان، صيداً ، لبنان 1350هـ/ 1931م.

26.محمد جميل بيهم، فلسفة التاريخ العثماني، مطبعة مكتبة صادر، الطبعة الأولى، بيروت 1995م.

27.محمد جواد مشكور، أخبار سلاحقة الروم ، نشر مكتبة مسمع جي تبريزي، تبريز، 1405هـ.

28.محمد صفوت مصطفى ، السلطان محمد الفاتح، فاتح القسطنطينية، دار الفكر العربي، الطبعة الثالثة، القاهرة 1998م.

29.محمد فريد بك، تاريخ الدولة العليةن دار المعارف الجامعية، الطبعة الثانية، الإسكندرية 1995م.

30.محمد فؤاد كويريلي، قيام الدولة العثمانية، ترجمة الدكتور: أحمد السعيد سليمان، أحمد عزت عبد الكريم، دار النهضة العربية ، الطبعة الأولى، القاهرة 1997م.

31.نجم الدين أبو بكر محمد بن علي بن سليمان الراوندي، راحة الصدور وآية السر ور، تحقيق: محمد أقبال آشتياني، طبعة ليدن، الطبعة الثانية، 1991م.

32.يلماز أوزيونا، تاريخ الدولة العثمانية، الانجلو المصرية، القاهرة 1998م.

33.    يوسف العظم، تاريخنا بين تزوير الأعداء وغفلة الأبناء، دار النهضة العربية، بيروت 1992م.



([1]) جمال عبد الهادي، الدولة العثمانية،  الانجلو المصرية، الطبعة الأولى، القاهرة 1999م، ص112.

([2]) السيد عبد العزيز سالم، تاريخ الدولة العثمانية، الانجلو المصرية، القاهرة 1995م، ص 82.

([3]) علي محمد صلابي، الدولة العثمانية ، دار وائل للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، عمان، الأردن 2001م، ص129.

([4]) يوسف العظم، تاريخنا بين تزوير الأعداء وغفلة الأبناء، دار النهضة العربية، بيروت 1992م، ص58.

([5]) أبو الفاح عبد الحي ابن العماد، شذرات الذهب في اخبار من ذهب، مطبعة القدسي ، القاهرة 1351هـ، ص173.

([6]) محمد جميل بيهم، أوليات سلاطين تركيا، مطبعة العرفان، صيداً ، لبنان 1350هـ/ 1931م، ص175.

([7]) حسن أحمد محمود، الإسلام في آسيا الوسطى بين الفتحين العربي والتركي، نشر الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1972م، ص149-150.

([8]) أحمد مختار باشا، فتح جليل قسطنطينية ، الطبعة الأولى،  استانبول 1316هـ، ص1316هـ، ص154.

([9]) خير الله أفندي، تاريخ دولت علية عثمانية، قسطنطينية، 1281هـ، ص163.

([10]) جمال عبد الهادي، الدولة العثمانية،  الانجلو المصرية، الطبعة الأولى، القاهرة 1999م، ص120.

([11]) أبو المحاسن يوسف ابن تغري بردي، حوادث الدهور في مدى الأيام والشهور، طبعة كاليفورنيا 1930-1932م، ص210.

([12]) محمد ابن أحمد ابن أياس، بدائع الزهور في وقائع الدهور، المطبعة الأميرية ببولاق، القاهرة 1411هـ، ص305.

([13]) علي حسون، تاريخ الدولة العثمانية، دار صادر ، الطبعة الأولى، بيروت 997م، ص110-111.

([14]) محمد جميل بيهم، فلسفة التاريخ العثماني، مطبعة مكتبة صادر، الطبعة الأولى، بيروت 1995م، ص232.

([15]) حسين مجيب المصري، تاريخ الأدب التركي، مطبعة الفكرة، الطبعة الأولى، القاهرة 1991م، ص451.

([16]) سالم الرشيدي، محمد الفاتح ، نشر مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر، الطبعة الأولى، القاهرة 1996م، ص171.

([17]) عبد السلام عبد العزيز فهمي، فتح القسطنطينية ، نشر الهيئة المصرية العامة للتألف والنشر، دار الكتاب العرب، المكتبة الثقافية، العدد 288، القاهرة 1969م، ص138-139.

([18]) محمد فؤاد كويريلي، قيام الدولة العثمانية، ترجمة الدكتور: أحمد السعيد سليمان، أحمد عزت عبد الكريم، دار النهضة العربية ، الطبعة الأولى، القاهرة 1997م، ص214.

([19]) سعد الدين أفندي، خواجه، تاريخ التواريخ، دار وائل للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، الأردن، عمان 1989م، ص178.

([20]) عبد السلام عبد العزيز فهمي، فتح القسطنطينية ، نشر الهيئة المصرية العامة للتألف والنشر، دار الكتاب العرب، المكتبة الثقافية، العدد 288، القاهرة 1969م، ص140

([21]) أحمد مختار باشان فتح جليل قسطنطينية ، دار صادر ، الطبعة الثالثة، بيروت 1993م، ص79.

([22]) السيد عبد العزيز سالم، تاريخ الدولة العثمانية، المرجع السابق، ص213. 

([23]) محمد فريد بك، تاريخ الدولة العليةن دار المعارف الجامعية، الطبعة الثانية، الإسكندرية 1995م، ص160-161.

([24]) السيد عبد العزيز سالم، تاريخ الدولة العثمانية ، المرجع السابق، ص200-205.

([25]) سالم الرشيدي، محمد الفاتح، نشر مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، الطبعة الأولى، القاهرة، 1427هـ/ 2006م، ص178.

([26]) سمير الحلبي، فتح القسطنطينية بين الحلم والخيال العربي، دار صادر، الطبعة الرابعة، بيروت 1425هـ/ 2004م، ص33-34.

([27]) عبد العزيز محمد الشناوي، أوروبا في مطلع العصور الحديثة، دار المعارف مصر، القاهرة 2001م، ص203.

([28]) علي محمد صلابي، الدولة العثمانية، الانجلو المصرية، الطبعة الأولى، القاهرة 2001م، 19-35.

([29]) عبد السلام عبد العزيز فهمي، فتح القسطنطينية ، المرجع السابق، ص142-143.

([30]) علي حسو، تاريخ الدولة العثمانية، المرجع السابق، ص41-49.

([31]) عبد السلام عبد العزيز فهمي، فتح القسطنطينية، المرجع السابق، ص226-227.

([32]) سمير الحلبي، فتح القسطنطينية بين الحلم والخيال العربي، المرجع السابق، ص72-95.

([33]) أحمد بن مصطفى بن خليل طاشكبري، الشقائق النعمانية في علماء الدولة العثمانية، المطبعة الميمنية، الطبعة الأولى، القاهرة 1410هـ، ص158

([34]) عمر كمال توفيق ، تاريخ الامبراطورية البيزنطية، دار المعارف، الطبعة الثانية، القاهرة 2002م، ص33-34.

([35]) السيد عبد العزيز سالم، تاريخ الدولة العثمانية، المرجع السابق، ص206-207. 

(1) السيد عبد العزيز سالم ، مرجع سابق ، ص200-250

([36]) محمد صفوت مصطفى ، السلطان محمد الفاتح، فاتح القسطنطينية، دار الفكر العربي، الطبعة الثالثة، القاهرة 1998م، ص77-79.

([37]) علي حسون ، تاريخ الدولة العثمانية، المرجع السابق، ص41-49.

([38]) نجم الدين أبو بكر محمد بن علي بن سليمان الراوندي، راحة الصدور وآية السر ور، تحقيق: محمد أقبال آشتياني، طبعة ليدن، الطبعة الثانية، 1991م، ص179-180.

([39]) السيد عبد العزيز سالم، تاريخ الدولة العثمانية، مرجع سابق، ص210-212.

([40]) محمد جواد مشكور، أخبار سلاحقة الروم ، نشر مكتبة مسمع جي تبريزي، تبريز، 1405هـ، ص231-235.

([41]) سمير الحلبي، فتح القسطنطينية بين الحلم والخيال العربي، المرجع السابق، ص83-85.

([42]) علي حسون، تاريخ الدولة العثمانية، المرجع السابق، ص45-48.

([43]) يلماز أوزيونا، تاريخ الدولة العثمانية، الانجلو المصرية، القاهرة 1998م، ص89-90.

([44]) جمال عبد الهادي، الدولة العثمانية، المرجع السابق، 109-110.

([45]) رفيق العظم، أشهر مشاهير الإسلام في الحرب والسياسة، دار الرائد العربي، الطبعة الأولى، بيروت 1418هـ/ 1997م، ص289

([46]) علي محمد صلابي، الدولة العثمانية، المرجع السابق، ص33-335

([47]) أبي حسن الماوردي، الأحكام السلطانية ، دار الكتب العلمية، الطبعة الثالثة، بيروت 2002م، ص266.

([48]) سليمان بن صالح بن سليمان آل كما، الإدارة العسكرية في الدول الإسلامية نشأتها وتطورها، دار إحياء التراث، الطبعة الأولى، 1419هت/ 1998م، ص89.

([49]) جمال عبد الهادي، الدولة العثمانية، المرجع السابق، ص349.

([50]) عبد السلام عبد العزيز فهمي، فتح القسطنطينية ، المرجع السابق، ص152.

([51]) أبو المحاسن يوسف ابن تعزي بردي، حوادث الدهور في مدى الأيام والشهور، المرجع السابق، ص224.

([52]) علي حسون، تاريخ الدولة العباسية، المرجع السابق، 49-50.

([53]) أبو المحاسن يوسف ابن تعزي بردي، النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة،ج12، دار الكتب المصرية، القاهرة 1986م، ص295

([54]) سمير الحلبي، فتح القسطنطينية بين الحلم والخيال العربي، المرجع السابق، ص94-95.

([55]) أبو الفداء الحافظ بن كثير الدمشقي، البداية والنهاية، دار الريان، الطبعة الأولى، القاهرة 1998م، ص332.

([56]) أبو الفلاح عبد الحي ابن العماد، شذرات الذهب في أخبار من ذهب، المرجع السابق، ص254.

([57]) علي حسو، تاريخ الدولة العثمانية، المرجع السابق، ص55-56.

([58]) عبد السلام عبد العزيز فهمي، فتح القسطنطينية ، المرجع السابق، ص214. 

([59]) علي محمد صلابي، الدولة العثمانية، المرجع السابق، ص36-37.

([60]) حسين مجيب المصري، تاريخ الأدب التركي، المرجع السابق، ص310.

([61]) سمير الحلبي، فتح القسطنطينية بين الحلم والخيال العربي، 101-103.

([62]) سمير الحلبي، فتح القسطنطينية بين الحلم والخيال العربي، المرجع السابق، ص120.

([63]) عبد السلام عبد العزيز فهمي، فتح القسطنطينية ، المرجع السابق، ص258.

([64]) حسن أحمد محمود، الإسلام في آسيا الوسطى بين الفتحين العربي والتركي، المرجع السابق، ص275.

([65]) علي حسون ،  تاريخ الدولة العثمانية، المرجع السابق، ص66.  


إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال