المسيح الدجال من هو
بالحاء المهملة وليس
بالخاء المعجمة ، وسمي بالمسيح لأنه ممسوح العين، وهذه التسمية مشتقة من اسم
المفعول أي الممسوح، بخلاف المسيح بن مريم الذي اشتق اسمه من اسم الفاعل الماسح،
لأنه كان يمسح على المريض فيبرأ، أما الدجال فهو مشتق من اسم المفعول، لأنه ممسوح
العين، وقيل لأن دجل معناها: غطى وموه، ولذلك يقول: دجل الإناء بالذهب
أي: غطاه، وذلك لأن هذا الدجال سيغطي الأرض بكفره، وقيل لأنه سيشمل الأرض ويغطيها
برحلته الطويلة التي سيقطعها في زمن قصير، وأما عن الدجال كشرط من أشراط الساعة
فإنه واقع ولا بد، وقد أخبر صلى لله
عليه وسلم في الحديث الصحيح أن الساعة لا تقوم حتى تكون عشر آيات: (الدخان والدجال
والدابة وطلوع الشمس وثلاثة خسوف) إلى آخر الحديث.
المسيح الدجال من أشراط الساعة الكبرى
فالدجال إذاً ظهوره من أشراط الساعة، وأشراط الساعة منها كبرى ومنها صغرى، وأشراط الساعة ابتدأت بموت الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن أول أشراط الساعة الصغرى هو وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم.
وهناك علامات كبرى عشرة، ومنها الدجال، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفس إيمانها إن لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً، طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ودابة الأرض) فإذا لم يكن الناس في ذاك الزمن مؤمنين ومستعدين لخروجه؛ فإنه لا ينفع إيمانهم إذا خرج ذاك الدجال من الفتن التي تقع منه، وهذا الحديث يشير إلى آية موجودة في كتاب الله وهي قوله عز وجل: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً} [الأنعام:١٥٨] فالمقصود بقوله تعالى: {بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} منها: الدجال، وهذا الذي يجاب به عن بعض الناس الذين يقولون: لماذا لم يذكر الدجال في القرآن؟ فنقول: إنه قد ذكر ضمناً وهناك آيات أخرى.
وكذلك حذر الرسول صلى الله عليه سلم الأمة وقال: (بادروا بالأعمال ست، وذكر منها: الدجال) أي: انتهزوا الفرصة في الأعمال الصالحة قبل أن يظهر الدجال، فقد لا تستطيعون عمل أي شيء إذا ظهر.
أعظم الفتن فتنة المسيح الدجال
الدجال هو أكبر فتنة موجودة على ظهر الأرض على الإطلاق، وقد روى أحاديث الدجال عدد من العلماء، ومن أوسع من روى له الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه، والإمام أحمد رحمه الله تعالى في مسنده، وكثير من الأحاديث التي وردت في الدجال صحيحة وثابتة، وهذا هو ما سنعتمد عليه إن شاء الله في خلال هذا البحث: (ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلق أكبر من الدجال) وفي رواية: (أمر أكبر من الدجال) من خلق آدم إلى قيام الساعة لا توجد فتنة أكبر من الدجال على الإطلاق.
وقد روى البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم ذكر الدجال، فقال: إني لأنذركموه، وما من نبي إلا أنذر قومه، ولكني سأقول لكم فيه قولاً لم يقله نبي لقومه: إنه أعور وإن الله ليس بأعور) وقال عليه الصلاة والسلام: (إني لأنذركموه، وما من نبي إلا أنذره قومه، ولقد أنذره نوح قومه، ولكني سأقول فيه قولاً لم يقله نبي لقومه: تعملون أنه أعور وأن الله ليس بأعور).
وقال عليه الصلاة والسلام: (غير الدجال أخوفني عليكم، إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم) معناه: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتوقع أنه سيخرج وهو فيهم، وإذا خرج الدجال والرسول صلى الله عليه وسلم موجود؛ كان الرسول عليه الصلاة والسلام سيتولى محاجة الدجال وإفحامه، وإقامة الحجة عليه، وتبيين باطله من دون الأمة.
ثم يقول عليه الصلاة والسلام: (وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه) معناه كل واحد سيتولى المدافعة وإقامة الحجة بنفسه، ودفع شر الدجال عن نفسه بنفسه، وذلك بأن يكذب الدجال، وأن يلقي نفسه في النار التي مع الدجال، كما سيرد في شأن هذا الدجال.
ثم قال عليه الصلاة والسلام: (وإن يخرج ولست فيكم، فامرؤ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم) أي: أن الله سبحانه ولي كل مسلم، وحافظ كل مسلم، ومعين كل مسلم على هذه الفتنة.
ثم قال عليه الصلاة والسلام أيضاً: (أما فتنة الدجال فإنه لم يكن نبي إلا قد حذر، وسأحذركموه بحديث لم يحذره نبي أمته) لذا وجب على الدعاة إلى الله عز وجل أن يحذروا الناس من الفتن، وينبغي أن يصفوا للناس الفتن، وينبغي أن يعلموا الناس كيف يكون موقفهم من الفتن.
أما عن الأحداث التي ستكون قبل خروج الدجال فإنها كثيرة، قال عليه الصلاة والسلام: (تغزون جزيرة العرب، فيفتحها الله، ثم تغزون فارس فيفتحها الله، ثم تغزون الروم فيفتحها الله، ثم تغزون الدجال فيفتحها الله) أي المكان الذي فيه الدجال، أو القوم الذين معه، وقال صلى الله عليه وسلم: (عمران بيت المقدس خراب يثرب، وخراب يثرب خروج الملحمة، وخروج الملحة فتح القسطنطينية، وفتح القسطنطينية خروج الدجال) هذه أزواج من الأشياء فكل واحد مرتبط بالثاني، لكن يحتمل أن يكون بين كل زوج والزوج الذي بعده فترة زمنية طويلة.
ثم صلى الله عليه وسلم حال المسلمين التي سيكونون فيها عند ظهور الدجال، وهذه الحال ستكون عبارة عن حروب بين المسلمين وبين النصارى، وسيكون فيها النصر في النهاية لأهل الإسلام، ثم يظهر الدجال، فقال عليه الصلاة والسلام: (ستصالحون الروم صلحاً آمناً، فتغزون أنتم وهم عدواً من ورائكم، فتنصرون وتغنمون وتسلمون، ثم ترجعون حتى تنزلوا بـ مرج ذي تلول -موضع معين- فيرفع رجل من أهل النصرانية الصليب فيقول: غلب الصليب، فيغضب رجل من المسلمين فيدقه -أي: يكسر الصليب- فعند ذلك تغدر الروم، وتجمع للملحمة) وزاد بعضهم: (فيثور المسلمون إلى أسلحتهم، فيقتتلون، فيكرم الله تلك العصابة بالشهادة).
أي أنه في آخر الزمان قبيل الدجال سيحصل هناك صلح آمن، ولكن الروم وهم النصارى سيغدرون، وسيقوم رجل يتحدى المسلمين بالصليب، فيقوم أحد المسلمين فيكسره، فتقع بعد ذلك معركة، يكون المسلمين في أول الأمر قلة، فيكرم الله القلة من المسلمين التي تواجه النصارى بالشهادة، ثم بعد ذلك يستعد الفريقان لمعركة كبيرة وملحمة عظمية، يكون فيها النصر للمسلمين.
وقد جاء في صحيح الإمام مسلم رحمه الله تفصيل لهذه الموقعة، (لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بـ الأعماق أو بـ دابق) وهذا موضع قرب حلب في بلاد الشام، أي يكون هناك موضع الملحمة (فيخرج لهم جيش من المدينة المنورة -من المسلمين- من خيار أهل الأرض يومئذ، فإذا تصافوا أمام بعض، قالت الروم: خلوا بيننا وبين الذين سبوا منها نقاتلهم) معنى ذلك: أن المسلمين في السابق قد أخذوا سبياً من الروم، وأن هؤلاء الروم قد أسلموا وانضموا للمسلمين، وأن الروم الآن يقولون: هاتوا أصحابنا وأقرباءنا من الروم الذين أسلموا معكم: (فيقول المسلمون: لا ولله لا نخلي بينكم وبين إخواننا، فيقاتلونهم، فيهزم ثلث -من جيش المسلمين- لا يتوب الله عليهم أبداً) لأنهم لم يتوبوا من الفرار من الزحف (ويقتل ثلث) أي من المسلمين (أفضل الشهداء عند الله، ويفتتح الثلث الأخير البلاد ويغنم ولا يفتنون أبداً، فيفتتحون قسطنطينية، فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون، إذ صاح فيهم الشيطان إن المسيح -أي الدجال- قد خلفكم في أهليكم، يريد إفزاعهم وتخوفيهم، فيخرجون -المسلمين يخرجون إلى جهة خروج الدجال- وذلك باطل -أي: كلام الشيطان هذا باطل- فإذا جاءوا الشام، خرج المسيح الدجال فعلاً، فبينما هم يعدون للقتال -لقتال الدجال بعد أن كانوا قد قاتلوا الروم، وما استطاعوا أن يقتسموا الغنائم- يسوون الصفوف، إذ أقيمت الصلاة، فينزل عيسى ابن مريم، فأمهم) إلى آخر الحديث.
ثم إنه قد ورد لهذه الغزوة تفاصيل أخرى، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (إن الساعة لا تقوم حتى لا يقسم ميراث ولا يفرح بغنيمة، ثم قال بيده هكذا، ونحاها نحو الشام، فقال: عدو يجمعون لأهل الإسلام، ويجمع له أهل الإسلام -يقول الراوي عن ابن مسعود الروم تعن؟ ي قال: نعم- وتكون عند ذاكم القتال ردة شديدة، فيشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة، فيقتتلون حتى يحجز بينهم الليل).
ثم ملخص الحديث أن هؤلاء الفدائيون من المسلمين الذين يخرجون من جيش المسلمين يقتلون شهداء، ومرة ثانية وثالثة، لأنهم قلة، ثم بعد ذلك ينهد لهم أهل الإسلام، أي: يجتمع أهل الإسلام من الأماكن المختلفة: (فيجعل الله الدائرة على الكفار فيُقتلون) المسلمين يقتلون من الكفار مقتلة لا يرى مثلها (حتى إن الطائر لا يمر بجنباتهم فما يخلفهم حتى يخر ميتاً) بعض السذج من الناس لما قرأ الحديث، قال: هذه إشارة إلى الأسلحة الكيمائية، وهذا من الضلال الذي قلته قبل قليل، وهي تفسير النصوص الشرعية بأشياء من الواقع، وعلى حسب الهوى، وليس بالرجوع إلى كلام أهل العلم (فيتعادوا بنو الأب كانوا مائة، فلا يجد منه -بقي- إلا الرجل الواحد، فبأي غنيمة يفرح، أو أي ميراث يقاسم فبينما هم كذلك، إذ سمعوا ببأس هو أكبر من ذلك، فجاءهم الصريخ إن الدجال قد خلفهم في ذراريهم).
فإذاً يكون خروج الدجال بعد معركة كبيرة جداً تحصل بين المسلمين والنصارى (إن الدجال قد خلفهم في ذراريهم، فيرفضون ما في أيديهم من الغنائم، ويقبلون فيبعثون عشرة فوارس طليعة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -طليعة استكشاف عن هذا الدجال-: إني لأعرف أسماءهم وأسماء آبائهم، وألوان خيولهم، هم خير فوارس على ظهر الأرض يومئذ، أو من خير الفوارس على ظهر الأرض يومئذ).
م إن من الأشياء الأخرى التي ستحدث قبل الدجال قوله صلى الله عليه وسلم: (إن قبل خروج الدجال ثلاث سنوات شداد يصيب الناس فيها جوع شديد، يأمر الله السماء في السنة الأولى أن تحبس ثلث مطرها، ويأمر الأرض أن تحسب ثلث نباتها، ثم يأمر السماء في السنة الثانية فتحبس ثلثي مطرها، ويأمر الأرض فتحبس ثلثي نباتها، ثم يأمر السماء في السنة الثالثة، فتحبس مطرها كله، فلا تقطر قطرة، ويأمر الأرض فتحبس نباتها كله فلا تنبت خضراء، فلا يبقى ذات ظلف إلا هلكت، إلا ما شاء الله، قيل: يا رسول الله فما يعيش الناس في ذلك الزمان؟ قال: التهليل والتكبير والتحميد ويجزء ذلك عليهم مجزءة الطعام) كرامة من الله للمسلمين في ذلك الوقت أن يعيشوا على ذكر الله فقط، وهذا يثبت أن للأذكار قوة في البدن ويدل عليه حديث علي وفاطمة لما اشتكت فاطمة تريد خادماً، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (ألا أدلكما على أمر هو خير لكما من خادم؟ إذا أويتما إلى فراشكما تسبحان الله ثلاثاً وثلاثين، وتحمدان ثلاثاً وثلاثين، وتكبران ثلاثاً وثلاثين) فبين أن هذا الذكر فيه فائدة في تقوية البدن، حتى المرأة المسلمة التي تريد خادمة فعليها بالإكثار من ذكر الله عز وجل، ولذلك دل الرسول الله صلى الله عليه وسلم بنته فاطمة على الإكثار من الذكر، وأخبر أن فيه قوة للبدن.
عمر الدجال
حديث تميم الداري عن الدجال
أنَّهُ سَأَلَ فَاطِمَةَ بنْتَ قَيْسٍ أُخْتَ الضَّحَّاكِ بنِ قَيْسٍ -وَكَانَتْ مِنَ المُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ- فَقالَ: حَدِّثِينِي حَدِيثًا سَمِعْتِيهِ مِن رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، لا تُسْنِدِيهِ إلى أَحَدٍ غيرِهِ، فَقالَتْ: لَئِنْ شِئْتَ لَأَفْعَلَنَّ، فَقالَ لَهَا: أَجَلْ حَدِّثِينِي، فَقالَتْ: نَكَحْتُ ابْنَ المُغِيرَةِ، وَهو مِن خِيَارِ شَبَابِ قُرَيْشٍ يَومَئذٍ، فَأُصِيبَ في أَوَّلِ الجِهَادِ مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَلَمَّا تَأَيَّمْتُ خَطَبَنِي عبدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ في نَفَرٍ مِن أَصْحَابِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، وَخَطَبَنِي رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ علَى مَوْلَاهُ أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ، وَكُنْتُ قدْ حُدِّثْتُ، أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ قالَ: مَن أَحَبَّنِي فَلْيُحِبَّ أُسَامَةَ، فَلَمَّا كَلَّمَنِي رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، قُلتُ: أَمْرِي بيَدِكَ، فأنْكِحْنِي مَن شِئْتَ، فَقالَ: انْتَقِلِي إلى أُمِّ شَرِيكٍ. وَأُمُّ شَرِيكٍ امْرَأَةٌ غَنِيَّةٌ مِنَ الأنْصَارِ، عَظِيمَةُ النَّفَقَةِ في سَبيلِ اللهِ، يَنْزِلُ عَلَيْهَا الضِّيفَانُ، فَقُلتُ: سَأَفْعَلُ، فَقالَ: لا تَفْعَلِي، إنَّ أُمَّ شَرِيكٍ امْرَأَةٌ كَثِيرَةُ الضِّيفَانِ؛ فإنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَسْقُطَ عَنْكِ خِمَارُكِ، أَوْ يَنْكَشِفَ الثَّوْبُ عن سَاقَيْكِ، فَيَرَى القَوْمُ مِنْكِ بَعْضَ ما تَكْرَهِينَ، وَلَكِنِ انْتَقِلِي إلى ابْنِ عَمِّكِ عبدِ اللهِ بنِ عَمْرِو ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، وَهو رَجُلٌ مِن بَنِي فِهْرٍ؛ فِهْرِ قُرَيْشٍ، وَهو مِنَ البَطْنِ الَّذي هي منه. فَانْتَقَلْتُ إلَيْهِ، فَلَمَّا انْقَضَتْ عِدَّتي سَمِعْتُ نِدَاءَ المُنَادِي -مُنَادِي رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- يُنَادِي: الصَّلَاةَ جَامِعَةً، فَخَرَجْتُ إلى المَسْجِدِ، فَصَلَّيْتُ مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَكُنْتُ في صَفِّ النِّسَاءِ الَّتي تَلِي ظُهُورَ القَوْمِ، فَلَمَّا قَضَى رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ صَلَاتَهُ جَلَسَ علَى المِنْبَرِ وَهو يَضْحَكُ، فَقالَ: لِيَلْزَمْ كُلُّ إنْسَانٍ مُصَلَّاهُ، ثُمَّ قالَ: أَتَدْرُونَ لِمَ جَمَعْتُكُمْ؟ قالوا: اللَّهُ وَرَسولُهُ أَعْلَمُ، قالَ: إنِّي وَاللَّهِ ما جَمَعْتُكُمْ لِرَغْبَةٍ وَلَا لِرَهْبَةٍ، وَلَكِنْ جَمَعْتُكُمْ لأنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ كانَ رَجُلًا نَصْرَانِيًّا، فَجَاءَ فَبَايَعَ وَأَسْلَمَ، وَحدَّثَني حَدِيثًا وَافَقَ الَّذي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عن مَسِيحِ الدَّجَّالِ. حدَّثَني أنَّهُ رَكِبَ في سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ مع ثَلَاثِينَ رَجُلًا مِن لَخْمٍ وَجُذَامَ، فَلَعِبَ بهِمِ المَوْجُ شَهْرًا في البَحْرِ، ثُمَّ أَرْفَؤُوا إلى جَزِيرَةٍ في البَحْرِ حتَّى مَغْرِبِ الشَّمْسِ، فَجَلَسُوا في أَقْرُبِ السَّفِينَةِ، فَدَخَلُوا الجَزِيرَةَ، فَلَقِيَتْهُمْ دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعَرِ، لا يَدْرُونَ ما قُبُلُهُ مِن دُبُرِهِ؛ مِن كَثْرَةِ الشَّعَرِ، فَقالوا: وَيْلَكِ! ما أَنْتِ؟ فَقالَتْ: أَنَا الجَسَّاسَةُ، قالوا: وَما الجَسَّاسَةُ؟ قالَتْ: أَيُّهَا القَوْمُ، انْطَلِقُوا إلى هذا الرَّجُلِ في الدَّيْرِ؛ فإنَّه إلى خَبَرِكُمْ بالأشْوَاقِ، قالَ: لَمَّا سَمَّتْ لَنَا رَجُلًا فَرِقْنَا منها أَنْ تَكُونَ شيطَانَةً، قالَ: فَانْطَلَقْنَا سِرَاعًا حتَّى دَخَلْنَا الدَّيْرَ، فَإِذَا فيه أَعْظَمُ إنْسَانٍ رَأَيْنَاهُ قَطُّ خَلْقًا، وَأَشَدُّهُ وِثَاقًا، مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إلى عُنُقِهِ، ما بيْنَ رُكْبَتَيْهِ إلى كَعْبَيْهِ بالحَدِيدِ، قُلْنَا: وَيْلَكَ! ما أَنْتَ؟ قالَ: قدْ قَدَرْتُمْ علَى خَبَرِي، فأخْبِرُونِي ما أَنْتُمْ؟ قالوا: نَحْنُ أُنَاسٌ مِنَ العَرَبِ رَكِبْنَا في سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ، فَصَادَفْنَا البَحْرَ حِينَ اغْتَلَمَ، فَلَعِبَ بنَا المَوْجُ شَهْرًا، ثُمَّ أَرْفَأْنَا إلى جَزِيرَتِكَ هذِه، فَجَلَسْنَا في أَقْرُبِهَا، فَدَخَلْنَا الجَزِيرَةَ، فَلَقِيَتْنَا دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعَرِ، لا يُدْرَى ما قُبُلُهُ مِن دُبُرِهِ مِن كَثْرَةِ الشَّعَرِ، فَقُلْنَا: وَيْلَكِ! ما أَنْتِ؟ فَقالَتْ: أَنَا الجَسَّاسَةُ، قُلْنَا: وَما الجَسَّاسَةُ؟ قالَتْ: اعْمِدُوا إلى هذا الرَّجُلِ في الدَّيْرِ؛ فإنَّه إلى خَبَرِكُمْ بالأشْوَاقِ، فأقْبَلْنَا إلَيْكَ سِرَاعًا، وَفَزِعْنَا منها، وَلَمْ نَأْمَن أَنْ تَكُونَ شيطَانَةً. فَقالَ: أَخْبِرُونِي عن نَخْلِ بَيْسَانَ، قُلْنَا: عن أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قالَ: أَسْأَلُكُمْ عن نَخْلِهَا؛ هلْ يُثْمِرُ؟ قُلْنَا له: نَعَمْ، قالَ: أَمَا إنَّه يُوشِكُ أَنْ لا تُثْمِرَ، قالَ: أَخْبِرُونِي عن بُحَيْرَةِ الطَّبَرِيَّةِ، قُلْنَا: عن أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قالَ: هلْ فِيهَا مَاءٌ؟ قالوا: هي كَثِيرَةُ المَاءِ، قالَ: أَمَا إنَّ مَاءَهَا يُوشِكُ أَنْ يَذْهَبَ، قالَ: أَخْبِرُونِي عن عَيْنِ زُغَرَ، قالوا: عن أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قالَ: هلْ في العَيْنِ مَاءٌ؟ وَهلْ يَزْرَعُ أَهْلُهَا بمَاءِ العَيْنِ؟ قُلْنَا له: نَعَمْ، هي كَثِيرَةُ المَاءِ، وَأَهْلُهَا يَزْرَعُونَ مِن مَائِهَا، قالَ: أَخْبِرُونِي عن نَبِيِّ الأُمِّيِّينَ ما فَعَلَ؟ قالوا: قدْ خَرَجَ مِن مَكَّةَ وَنَزَلَ يَثْرِبَ، قالَ: أَقَاتَلَهُ العَرَبُ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قالَ: كيفَ صَنَعَ بهِمْ؟ فأخْبَرْنَاهُ أنَّهُ قدْ ظَهَرَ علَى مَن يَلِيهِ مِنَ العَرَبِ وَأَطَاعُوهُ، قالَ لهمْ: قدْ كانَ ذلكَ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قالَ: أَمَا إنَّ ذَاكَ خَيْرٌ لهمْ أَنْ يُطِيعُوهُ، وإنِّي مُخْبِرُكُمْ عَنِّي؛ إنِّي أَنَا المَسِيحُ، وإنِّي أُوشِكُ أَنْ يُؤْذَنَ لي في الخُرُوجِ، فأخْرُجَ، فأسِيرَ في الأرْضِ فلا أَدَعَ قَرْيَةً إلَّا هَبَطْتُهَا في أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، غيرَ مَكَّةَ وَطَيْبَةَ؛ فَهُما مُحَرَّمَتَانِ عَلَيَّ كِلْتَاهُمَا، كُلَّما أَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ وَاحِدَةً -أَوْ وَاحِدًا- منهما اسْتَقْبَلَنِي مَلَكٌ بيَدِهِ السَّيْفُ صَلْتًا، يَصُدُّنِي عَنْهَا، وإنَّ علَى كُلِّ نَقْبٍ منها مَلَائِكَةً يَحْرُسُونَهَا. قالَتْ: قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ وَطَعَنَ بمِخْصَرَتِهِ في المِنْبَرِ: هذِه طَيْبَةُ، هذِه طَيْبَةُ، هذِه طَيْبَةُ -يَعْنِي المَدِينَةَ- أَلَا هلْ كُنْتُ حَدَّثْتُكُمْ ذلكَ؟ فَقالَ النَّاسُ: نَعَمْ. فإنَّه أَعْجَبَنِي حَديثُ تَمِيمٍ؛ أنَّهُ وَافَقَ الَّذي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عنْه، وَعَنِ المَدِينَةِ وَمَكَّةَ، أَلَا إنَّه في بَحْرِ الشَّأْمِ أَوْ بَحْرِ اليَمَنِ، لا، بَلْ مِن قِبَلِ المَشْرِقِ ما هُوَ، مِن قِبَلِ المَشْرِقِ ما هو، مِن قِبَلِ المَشْرِقِ ما هو، وَأَوْمَأَ بيَدِهِ إلى المَشْرِقِ، قالَتْ: فَحَفِظْتُ هذا مِن رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ.الراوي : فاطمة بنت قيس | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم
الصفحة أو الرقم: 2942 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]