المقدمة
لفظ (رياضة) ولفظ (سياسة) يحملان في
اللغة وفي الاصطلاح جملة من الدلالات تتسع وتضيق في ثقافات الشعوب حسب مستوى
ممارستها للرياضة وللسياسة، وحسب التجارب التي مرت بها تلك الشعوب سواء من حيث
ترييض قدراتها الذهنية والبدنية أومن حيث نوع نظمها السياسية. ومن الصعب الوقوف
على بداية ظهور اللفظين الإثنين (رياضة) و(سياسة) في لغات الشعوب، وعلى تطور
دلالتهما، وكيف أصبح كل منهما مصطلحا دالا على ممارسة معينة ومحددة. ولذلك يكون من
الأجدى أن نأخذ بما توصل إليه الباحثون في تاريخ الرياضة من حقائق تثبت أن الناس
مارسوا أنشطة رياضية منذ آلاف السنين، وتشهد لهم بذلك آثارهم العمرانية والفنية
والأدبية المحفوظة إلى اليوم. كما أنه من الأجدى أن نأخذ بما توصل إليه الباحثون
في تاريخ التمدن من حقائق تثبت أن الناس مارسوا العمل السياسي منذ أقدم الحضارات،
ويشهد لهم بذلك ما أسسوه من نظم للحكم، وما كان يحكم علاقات الدول من عهود
ومواثيق، وما كان ينتابها من نزاعات وحروب. (1)
تأثير السياسة على
الرياضة
قال الكاتب الأسباني مانويل فاسكيز
مونتلبان (1939-2003) في مقدمة كتابة الصادر عام 1972 "السياسة
والرياضة": إن "اليسار ينتقد الرياضة بسبب أنها تميل إلى صالح اليمين،
وذلك من خلال تحويلها إلى أداة للضغط القوي."
وقد تخلت الكثير من القوى اليسارية عن
توجيه الانتقادات للرياضة في العقود الأخيرة وذلك بتشجيع من العديد من الشخصيات
مثل مونتلبان، ووإدواردو غاليانو مؤلف كتاب كرة القدم بين الشمس والظل عام 1995 وأرجع البعض هذه المصالحة بين المثقفين
والرياضة إلى "الضعف الرسمي للفاشية".
وقد أدرك هتلر وموسوليني قيمة الرياضة
في تعزيز الكرامة الوطنية وخاصة تجاه السلطات الحاكمة وقد عزز موسوليني موقفه من خلال الهيبة
التي اكتسبها بعد حصول بلادة على كأس العالم مرتين في عامي 1934 و1938، بينما
أصبحت ألمانيا بطل الأولمبياد عام 1936 كرمز للتقدير ولقوة النظام الحاكم وقوة
عقيدته.
وفي بطولة كأس العالم لكرة القدم عام
1934 في ايطاليا، شارك موسوليني شخصيا في اختيار الحكام، وحضر جميع المباريات التي
خاضها منتخب بلاده.
وقال جوبلز مسؤول الدعاية في النظام
النازي "إن الفوز بمباراة دولية أهم من السيطرة على مدينة ما."
وخلال الحرب الباردة، أولت الولايات
المتحدة وروسيا اهتماما كبيرا بتعزيز قدراتهما الرياضية كنوع من الدعاية لقوة
بلادهما وذلك عبر إذاعة موسكو وإذاعة صوت أمريكا، وهذا ما يفسر جزئيا تغاضي
السلطات الرياضية في الدولتين عن قضايا تعاطي المنشطات، وحتى في الحالات الأكثر
وضوحا للعيان
وكانت أبرز حالات التنافس بين القوى
العظمى هي مقاطعة الولايات المتحدة وعدة دول غربية لدورة الألعاب الأولمبية بموسكو
عام 1980 احتجاجا على غزو الاتحاد السوفياتي السابق لأفغانستان، وفي المقابل قاطعت
موسكو دورة الألعاب الأولمبية في لوس أنجيلوس عام 1984.
وفى أمريكا اللاتينية فهناك ما يعرف باسم "حرب كرة
القدم"، حيث وقعت مواجهات عسكرية بين هندوراس والسلفادور وذلك بعد سلسلة من
المباريات بينهما في الفترة ما بين 6 و27 من يونيو عام 1969، وكان ذلك ضمن
التصفيات المؤهلة لكأس العالم 1970. وخلفت الاشتباكات بين البلدين نحو ألفي
قتيل.
وقال الصحفي البولندي ريزارد
كابسينسكي، وهو أحد أعظم الصحفيين في ذلك الوقت بعد أن أوضح الجوانب السياسية والاقتصادية
والاجتماعية لكرة القدم إن هذه اللعبة كانت فقط المحرك لهذا الصراع والتي
استخدمتها الحكومتان لتبرير وتعزيز موقفيهما أمام شعبيهما.
وكانت هناك أيضا مباراة بين الأرجنتين
والمنتخب الانجليزي في كأس العالم بالمكسيك عام 1986، والتي كان ينظر إليها الجمهور
الأرجنتيني على أنها معركة للانتقام بعد حرب جزر الفوكلاند بين الطرفين قبل ذلك
بأربعة سنوات. (1)
دور
الرياضة في التقارب بين الشعوب
الرياضة هي أحد الأنسجة التي تربط
الناس ومجتمعاتهم وتربط العالم مع إحداث تغيير اجتماعي إيجابي
فعندما يدعم
الكثير من الناس نفس الفريق فإنهم يصبحون على الفور ودودين حتى لو
كانوا لا يعرفون بعضهم البعض عندما يتحد الأشخاص معًا لدعم فريقهم،
هذا يوحد الناس من كل الأجناس والأديان، عندما يقوم شخص ما بدعم فريقه، فإنه لا
يهتم إذا كان الأشخاص من حولهم مختلفين لأنهم يركزون على وحدة كل الأشخاص من حولهم
الذين يدعمونهم.
فالرياضة
توحد
الأمم معاً، توحد الدول وتخلق السلام بين الدول لأن كل دولة تريد دعوة الدول
الأخرى إلى كأس العالم، هذا يخلق صداقات بين الدول، وتحاول الدول أن تكون صديقة
للدول الأخرى لإنشاء أحداث رياضية أفضل وأكثر متعة، تتواصل الدول وتدعم بعضها
البعض بسبب الرياضة وخاصة كأس العالم وهي طريقة لإظهار دعمها للفرق وتوحيد الناس.
بينما
الرياضة هي أهم أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة فقد جاء في تقرير الأمم
المتحدة الإنمائي:
أثبتت الرياضة أنها أداة فعالة التكلفة ومرنة لتعزيز أهداف السلام
والتنمية. ومنذ بداية الأهداف الإنمائية للألفية في عام 2000، أدت الرياضة دوراً
حيوياً في القرارات المتعددة الصادرة عن الجمعية العامة. وفي القرار 70/1، المعنون”
تحويل عالمنا: خطة التنمية المستدامة لعام 2030“، الذي اعتمد في عام 2015، استمر
الإقرار بدور الرياضة في تعزيز التقدم الاجتماعي .
الرياضة هي أيضاً من العناصر التمكينية
المهمة للتنمية المستدامة. ونعترف بالمساهمة المتعاظمة التي تضطلع بها الرياضة في
تحقيق التنمية والسلام بالنظر إلى دورها في تشجيع التسامح والاحترام ومساهمتها في
تمكين المرأة والشباب والأفراد والمجتمعات وفي بلوغ الأهداف المنشودة في مجالات
الصحة والتعليم والاندماج الاجتماعي.
ولطالما قام مكتب الأمم المتحدة المعني
بتسخير الرياضة لأغراض التنمية والسلام بالتقريب بين البشر عن طريق الرياضة ودعم
مبادرات تسخير الرياضة لأغراض السلام، بدءاً من المناسبات الرياضية الضخمة إلى
الأنشطة الشعبية. وهذه المبادرات تساعد الرياضة على تحقيق إمكاناتها على أكمل وجه
فيما يتعلق ببلوع الأهداف.
وتساهم الرياضة، من خلال مبادرات مكتب
الأمم المتحدة المعني بتسخير الرياضة لأغراض التنمية والسلام وشركائه، في جعل
المدن والمجتمعات المحلية أكثر شمولاً للجميع، وإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام الرياضة
كأداة مجدية لمنع النزاع والعمل على تحقيق سلام يدوم طويلاً، وذلك لأن الرياضة
وعالميتها لديهما القدرة على تخطي حدود الثقافات (3)
دور الرياضة في أحلال السلام العالمي
تعدّ الرياضةُ من الأنشطة الإنسانيّة
المهمة، فلا يكاد يخلو مُجتمعٌ من المجتمعات الإنسانيّة من الرياضة في أيّ شكل من
الأشكال، فهي ليست مجرد نشاط بدنيّ، بل هي جسر تكامليّ يربط بين التعليم والثقافة
والموسيقى لتعزيز حقوق الإنسان، والرياضة أداة مرنة وزهيدة الثمن لتحقيق أهداف
السّلام في العالم.
توفّر الرياضة جوًّا لبناء السّلام في
العالم، حيث إنّها لغة عالميّة تتحدّث بها كافة الشعوب، إضافةً إلى أنها مقبولة
دوليًّا، ولها القدرة على تجاوز الصعاب، إلى جانب أنها وسيلة لرأب الانقسامات
الاجتماعية والعرقية، ونواة موحدة على المُستويات العلمية والنظرية.
إنّ الرياضة لديها القدرة الهائلة على
الحوار واحترام وفهم الاختلافات ما بين المُجتمعات، وتؤدّي دورًا مُهمًا في إرساء
العلاقات الدولية بين الشعوب، وتفتح مجال النشاط المشترك والمنافسة الرياضيّة بين
الهواة والمُحترفين، إضافةً إلى ذلك، يعتبر الرياضيّون سفراءَ للسلام والتعاون
والصداقة بين الشعوب من خلال مشاركتهم في تظاهرات محلية ودولية.
الرياضة وسيلة مهمةٌ من وسائل الإدماج
الاجتماعي، إذ تتيح فرصةَ العمل الجماعيّ والمساواة، وتُساهم بقوتها في إرساء أسس
السلام وتوطيدها من أجل بناء المُجتمعات السليمة، وتقوم أيضًا بتقوية الروابط
والشبكات الاجتماعية، كما تعزّز المُثل العليا للسلام، والإخاء والتضامن والتسامح
والعدالة. تلعب الرياضة دورًا كبيرًا في إيجاد جوّ من التفاهم بين الشعوب والدول،
حيث تتيح للأفراد والجماعات والدول فرصًا جديدة وتوسّع الالتزامات العالمية بأهمية
الصحة البدنية والعقلية والعاطفية والرفاه والتماسك الاجتماعي والصداقة الحميمة
والقدرات البدنيّة والتعاون في إطار الفريق والتضامن بين النّاس.
وتُساهم الرياضة في توفير فرص العمل
والتنمية والاحترام وعدم التمييز، ومن هذه الناحية، لا تُساهم الرياضة في تحقيق
تقدّم اقتصادي واجتماعي فحسب، وإنما في تعزيز السلام وكفالة التنمية المستدامة. كل
ذلك يسهم ويؤدى لإحلال السلام العالمي
أحداث رياضية عربية
كأس العالم 2022بقطر:
فقد ظهر فيه التأثير الثقافي الإيجابي لكرة القدم
فمعظم الجمهور الحاضر لهذه الكأس كان منبهر بقيم الضيافة العربية وبالأجواء الآمنة
التي جرت فيها المباريات وتفاعل بكثير من الإيجابية والاحترام مع قيم البلد
المضيف. فقد كان كأس العالم فرصة استثنائية للتعارف بين المشجعين من مختلف أصقاع
العالم، ومجال للتواصل ولإخراج كلاً لأحسن ما فيه كما أثبتت هذه الدورة لكأس
العالم أن جاذبية التواصل بين الشعوب يمكن أن تكون أقوى من جاذبية التنافر، وأن
لذة اكتشاف الآخر المغاير ثقافيا كبيرة . (4)
فوز السعودية على الارجنتين:
فقد أستقبل السعوديون فوز فريق بلادهم
على الأرجنتين بمشاعر الفرح والفخر والاعتزاز، لأن منتخب بلادهم الملقب بـ
"الصقور الخضر" هو الوحيد الذي استطاع هزيمة أبطال العالم.
وعلى موقع التواصل الاجتماعي تويتر،
غرد سعوديون عن منتخب بلادهم الذي يعد الوحيد الذي تمكن من الإطاحة بميسي ورفاقه
في واحدة من أكبر مفاجآت كأس العالم عبر التاريخ. ففي أول مباراة لبطل العالم على
ملعب لوسيل ذاته الذي احتضن النهائي، سقط منتخب الأرجنتين أمام المنتخب السعودي
يوم 22 نوفمبر في مباراة شكلت صدمة كبيرة لكل جماهير كرة القدم.
فقد كتب الإعلامي السعودي، سلمان
المطيويع، "مع تتويج الأرجنتين بكأس العالم.. يبقى خالدا معها قوة وعظمة منتخبنا..
الوحيد الذي أسقط البطل في أقوى مشاركة وأفضل منتخب سعودي". (5)
صفقة رونالدو وأبعادها السياسية:
خصص نادي النصر السعودي استقبالا ملكيا للنجم
البرتغالي كريستيانو رونالدو بعد ضمه في صفقة تاريخية يكسب منها صاحب الأرقام
القياسية 200 مليون يورو سنويا. لكن للصفقة أبعاد تتجاوز الرياضة في خضم سعي
المملكة لتنويع مصادر دخلها ضمن رؤية 2030 الاقتصادية لولي العهد الطموح محمد بن
سلمان وتحويل المملكة إلى وجهة سياحية جذابة.
فقدوم رونالدو إلى السعودية والتقديم
الأسطوري بملعب "مرسول بارك" بحضور أكثر من 30 ألف مشجع يعتبر بمثابة
ضرب عصفورين بحجر واحد: جعل الدوري السعودي أكثر جاذبية للاعبي المستوى العالي
-وهو الدوري الذي يعد الأفضل عربيا من حيث قيمة اللاعبين- والترويج للمملكة كوجهة
سياحية وهو ضمن رؤية 2030 الاقتصادية.
ومن جانب آخر يرى المحلل الرياض
السعودي سمير الحمادي "الجانب الفني مضمون، وهو بنفسه صرح بأنه جاء للنصر
لتحطيم أرقام قياسية في آسيا، قدوم رونالدو سيشجع نجوم عالمية أخرى للقدوم إلى
السعودية، كما أن وجوده في السعودية سيساعد في دفع كرة القدم السعودية خصوصا بعد
المردود الجيد في كأس العالم".
فصفقة رونالدو هي خطوة من عدة خطوات
اتخذتها المملكة لزيادة قوة الناعمة في العالم وتأثيرها السياسي، فأول صفقة رياضية
كبيرة للمملكة، كانت استحواذ صندوق الاستثمارات العامة السعودي على نادي نيوكاسل
يونايتد الإنكليزي العام الماضي، وبعد أن كان النادي يصارع لتفادي الهبوط، احتل
هذا الموسم المرتبة الثالثة في "البريميير ليغ". كما منح الاتحاد
الآسيوي لكرة السعودية شرف تنظيم كأس أمم آسيا لسنة 2027 للمرة الأولى في تاريخ
المملكة. كما فازت السعودية بشرف تنظيم دورة الألعاب الآسيوية الشتوية 2029 بمنطقة
نيوم، في سابقة من نوعها في المنطقة الصحراوية.
الخاتمة
لقد اتضح مما تناولنه سابقا ما للرياضة من قوة تأثير واضحة ومهيمنة
في الشأن العالمي وكذلك ملها من قدرة على خلق جو سلام عالمي وإحلال السلام العالمي
بين الشعوب فكل المشجعين حول العالم على اختلاف لغاتهم تجمع بينهم لغة مشتركة هي
الرياضة أو تشجيع فريق واحد وما لذلك من أثر في خلق فرص التعارف بين الحضارات
والثقافات المختلفة وكيف من الممكن أن نستفيد من ذلك وقد اتخذت المملكة العربية
السعودية خطوات مهمة وجادة في ذلك الشأن في أطار رؤية ولى العهد 2030
المراجع
1- كتاب
الأوجه العديدة للرياضة /إبراهيم بنعزوز
2- الموقع
الرسمي لبى بي سي عربي / (راؤول فاين بيندا)
3- الموقع
لرسمي للأمم المتحدة / ويلفريد ليمكي المستشار الخاص لأمين
عام الأمم المتحدة المعني بتسخير الرياضة لأغراض التنمية والسلام
4- جريدة
الراية
5- جريدة
الرياض /عبد العزيز اليوسف
6- موقع
العربية الاخباري / الرياضة وتأثيرها كقوة ناعمة / مقبل بن
جديع