حقيقة دخول الجن للإنس
الادلة على دخول الجن للإنس كثيرة منها
الدليل
الأول : قوله تعالى (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا
يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ
قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ۗ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ
وَحَرَّمَ الرِّبَا ۚ فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَىٰ فَلَهُ
مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ
النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُون) [سورة البقرة 275]
قال الشوكاني في فتح القدير ( أي قياما
كقيام الذي يتخبطه ، والخبط : الضرب بغير استواء كخبط العشواء وهو
المصروع . والمس : الجنون ، والأمس : المجنون ، وهو متعلق بقوله :
يقومون أي : لا يقومون من المس الذي بهم أو متعلق ب يقوم( . كَمَا يَقُومُ
الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ) وقال الشوكاني رحمه الله
في الآية دليل على فساد قول من قال : إن الصرع لا يكون من جهة الجن ، وزعم أنه من
فعل الطبائع ، وقال : ( إن الآية خارجة على ما كانت العرب تزعمه من أن الشيطان
يصرع الإنسان ، وليس بصحيح ، وإن الشيطان لا يسلك في الإنسان ولا يكون منه مس).([1])
قال القرطبي رحمه الله في تفسيره ، (في هذه الآية دليل على فساد إنكار من
أنكر الصرع من جهة الجن وزعم أنه من فعل الطبائع وأن الشيطان لا يسلك في الإنسان
ولا يكون منه مس).([2](
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه الفتاوى ( أنكر طائفة من
المعتزلة كالجبائي وأبي بكر الرازي من الأشاعرة وغيرهما دخول الجن في بدن المصروع
ولم ينكروا وجود الجن، إذ لم يكن ظهور هذا في المنقول عن الرسول كظهور هذا وإن
كانوا مخطئين في ذلك ).([3])
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى (الصرع صرعان: صرع من الأرواح
الخبيثة الأرضية، وصرع من الأخلاط الرديئة، والثاني: هو الذي يتكلم فيه
الأطباء في سببه وعلاجه وأما صرع الأرواح فأئمتهم وعقلاؤهم يعترفون به ولا
يدفعونه، ويعترفون بأن علاجه بمقابلة الأرواح الشريفة الخيرة العلوية لتلك الأرواح
الشريرة الخبيثة، فتدافع آثارها، وتعارض أفعالها وتبطلها).([4](
وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية السابقة (أي: لا يقومون من قبورهم
يوم القيامة إلا كما يقوم المصروع حال صرعه وتخبط الشيطان له، وذلك أنه يقوم
قياماً منكراً).([5])
وقال
ابن تيمية رحمه الله : "قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قلت لأبي: إن
أقواما يقولون إن الجني لا يدخل في بدن المصروع، فقال الإمام أحمد: يا بني يكذبون،
هذا يتكلم على لسان المصروع).([6]) والأقوال كثيرة في هذا المجال للعلماء
الدليل الثاني : قوله تعالى :( وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ
أَنِّي مَسَّنِي الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ )( ص - 41) استدلوا بهذه الآية
علي جواز إضرار الشيطان بالإنسان بأن يعذبه أو يجعله في نصب أي ضيق أو تعب وإرهاق
رغما من أنهم لا يعتقدون بان إبليس قد احتل بدن أيوب عليه السلام لان ذلك ممتنع
علية فالشيطان ممتنع عليه الدخول إلى جسد الأنبياء.([7])
وقال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله: "دخول الجن في بدن الإنسان ثابت
باتفاق علماء السنة والجماعة"([8])
قال الشيخ أبو بكر الجزائري: رحمه الله "أذى الجن للإنسان ثابت لا
ينكر حيث ثبت بالدليل النقلي والحسي".([9])
الدليل الثالث : حديث عثمان ابن أبي العاص قال: (
لما استعملني رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطائف جعل يعرض لي شيئا
في صلاتي حتى ما أدري ما أصلي فلما رأيت ذلك رحلت إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال ابن العاص قلت نعم يا رسول الله قال ما جاء بك قلت يا رسول الله عرض لي
شيء في صلاتي حتى ما أدري ما أصلي قال ذاك شيطان ادنه فدنوت منه فجلست على صدور
قدمي قال فضرب صدري بيده وتفل في فمي وقال اخرج عدو الله ففعل ذلك
ثلاث مرات ثم قال الحق بعملك ).([10])
فيستدلون بهذا الحديث على أن قول النبي صلى الله عليه وسلم أخرج عدو الله قالها
رسول الله صلى الله علية وسلم للخبيث عدو الله الشيطان والخروج عكس الدخول مما
يعني سابق دخول الشيطان بدن عثمان لذا اقتضى أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم
أخرج عدو الله ودل ذلك على أن عثمان كان مصروعا من الشيطان وتفل النبي في فمه
ليخرج ببركة النبي صلى الله عليه وسلم من جوفه
يقول الشيخ الألباني – رحمه الله - : ( وفي الحديث دلالة صريحة على
أن الشيطان قد يتلبس الإنسان ، ويدخل فيه ، ولو كان مؤمنا صالحا).([11])
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : (
أن الإنس قد يؤذون الجن بالبول عليهم ، أو بصب ماء حار ، أو بقتلٍ ونحو ذلك ،
دون أن يشعروا ، فيجازي الجن حينئذ فاعل ذلك من الإنس بالصرع).([12])
قال ابن حزم رحمه الله
الدليل الرابع : حديث أم المؤمنين صفية رضي الله عنها قالت: ( كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم معتكفا فأتيته أزوره ليلا ، فحدثته ثم قمت
فانقلبت فقام معي ليقلبني ، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد ، فمر رجلان من
الأنصار ، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا ، فقال النبي صلى الله عليه
وسلم : على رسلكما ، إنها صفية بنت حيي . فقالا : سبحان الله يا رسول الله ، قال
: إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم ، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما
سوءا ، أو قال : شيئا )( ([14]
واستدلوا بهذا الحديث على إمكانية دخول الجن إلى
بدن الإنسان طالما انه يجرى مجرى الدم والدم لا يكون إلا في داخل البدن .
الدليل الخامس : حديث أبى سعيد الخدري قال( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذا قام إلى الصلاة بالليل كبر ثم يقول : سبحانك اللهم وبحمدك ، وتبارك اسمك
، وتعالى جدك ، ولا إله غيرك ثم يقول الله أكبر كبيرا ثم يقول أعوذ بالله
السميع العليم من الشيطان الرجيم ، من همزه ونفخه ونفثه)([15]) وفى رواية ابن
مسعود(عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه
ونفخه و نفثه قال : و همزه المؤتة و نفخه
الكبر و نفثه الشعر) ([16]).
قال ابن الأثير رحمه الله : (قال ابن كثير: "فهمزه الموتة، وهو الخنق
الذي هو الصرع([17]) .(
وجاء في لسان العرب: والمُوتةُ بالضم جنس من الجُنُونِ والصَّرَع يَعْتَري
الإِنسانَ فإِذا أَفاقَ عاد إِليه عَقْلُه كالنائم والسكران و المُوتة الغَشْيُ و
المُوتةُ الجُنونُ لأَنه يَحْدُثُ عنه سُكوتٌ كالمَوْتِ وفي الحديث أَن النبي صلى
الله عليه وسلم كانَّ يتَعوَّذُ بالله من الشيطان وهَمْزه ونَفْثِه ونَفْخِه فقيل
له ما هَمْزُه ؟ قال المُوتةُ قال أَبو عبيد المُوتَةُ الجُنونُ يسمى هَمْزاً
لأَنه جَعَله من النَّخْس والغَمْزِ وكلُّ شيءٍ دفَعْتَه فقد هَمَزْتَه وقال ابن
شميل المُوتةُ الذي يُصْرَعُ من الجُنونِ أَو غيره ثم يُفِيقُ وقال اللحياني
المُوتةُ شِبْهُ الغَشْية وماتَ الرجلُ إِذا خَضَعَ للحَقِّ ) يكون الاستدلال بهذا الحديث من وجه أن الجنون من الشيطان والتخبط
من الشيطان حال المس ودخوله داخل جسم الإنسان وأن
قولة صلى الله عليه وسلم والموته من الشيطان يدل على الصرع.([18])
قال
ابن الأثير: (والموتة: الجنون، لأن المجنون ينخسه الشيطان).([19](
الدليل السادس: حديث أسامة ابن زيد قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
في حجته التي حجها ، فلما هبطنا بطن الروحاء عارضت رسول الله صلى الله عليه وسلم
امرأة [ معها صبي لها ] فسلمت عليه صلى الله عليه وسلم فوقف لها ، فقالت : يا رسول
هذا ابني فلان ، والذي بعثك بالحق مازال في خنق واحد منذ ولدته إلى الساعة – أو
كلمة تشبهها فاكتنع إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فبسط يده فجعله بينه وبين
الرحل ، ثم تفل في فيه ، ثم قال :اخرج عدو الله فإني رسول الله ، ثم ناولها
صلى الله عليه وسلم إياه فقال : خذيه فلن ترى معه شيئا يريبك بعد اليوم إن شاء
الله تعالى قال أسامة رضي الله عنه : وقضينا حجتنا ثم انصرفنا ، فلما نزلنا
بالروحاء فإذا تلك المرأة أم الصبي ، فجاءت ومعها شاة مصلية فقالت : يا رسول الله
، أنا أم الصبي الذي أتيتك به ، قالت : والذي بعثك بالحق ما رأيت منه شيئا يريبني
إلى هذه الساعة .([20])
وفي هذا الحديث جواز دخول الجني جسم الإنسي لقول النبي صل الله علية وسلم في هذا
الحديث اخرج عدو الله والخروج لابد أن يكون مسبوقا بدخول الشيطان داخل جسم الطفل .
قال الشيخ العثيمين – رحمه الله - : ( أما تأثيرهم على الإنس فإنه
واقع أيضا ، فإنهم يؤثرون على الإنس ، إما أن يدخلوا في جسد الإنسان
فيصرع ويتألم ، وإما أن يؤثروا عليه بالترويع والإيحاش وما أشبه ذلك).([21])
الدليل السابع : حديث عطاء ابن أبى رباح قال ( قال لي ابن عباس : ألا أريك
امرأة من أهل الجنة ؟ قلت : بلى ، قال : هذه المرأة السوداء ، أتت النبي صلى الله
عليه وسلم فقالت : إني أصرع ، وإني أتكشف ، فادع الله لي ، قال : ( إن
شئت صبرت ولك الجنة ، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك ) . فقالت : أصبر ، فقالت : إني
أتكشف ، فادع الله أن لا أتكشف ، فدعا لها ).([22] (
وذكر ابن عبد البر في الاستيعاب وابن الأثير في أسد الغابة في ترجمة أم
زفر أنها هي التي كان بها مس من الجن.([23](
وقال ابن القيم : "ويجوز أن صرع هذه المرأة السوداء من جهة الأرواح
الخبيثة" وخلاصة القول في هذا الدليل أن أصحاب هذا القول يحملون صرع هذه
المرأة على دخول الجن بجسدها فتصرع ولا يحملونه على الصرع الطبي المعروف في عالم
الطب الآن .( ([24]
الدليل الثامن : سورة الناس قال تعالى :( الَّذِي يُوَسْوِسُ في صُدُورِ
النَّاسِ) فقالوا ([25])إن ((في)) هنا
ظرفية تفيد دخول الجني بدن الإنسان ثم يوسوس في صدره وهذا هو ظاهر التعبير
بالحرف (في) أي وهو بداخله .
الدليل التاسع : قوله تعالى :( وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الإِنسِ
يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنْ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقا )(الجن – 6
فيقولون دلت هذه الآية على أن الجن يرهقون الإنس لذا فقد حملوا معنى فزادوهم رهقا
على انه خفة العقل والمس
وقال ابن منظور: في لسان العرب ( والرَّهَقُ جهل في الإِنسان وخِفَّة في عقله
تقول به رَهَق ورجل مُرَهَّقٌ موصوف بذلك ولا فِعل له والرَّهَقُ التُّهمَةُ
والمُرَهَّقُ المُتَّهم في دِينه والرَّهَقُ الإِثْمُ والرَّهْقةُ المرأَةُ
الفاجرة ).([26](
قال الشيباني : ( فيه رَهَق أَي حِدَّة وخِفَّة وإِنه لَرَهِقٌ أَي فيه حدّة
وسفَه والرَّهَق السَّفَه ) ([27])
لذا فقد حملوا معنى فزادوهم رهقا على انه خفة
العقل والمس
وقال ابن أبي حاتم: (حدثنا أبو سعيد يحيى بن سعيد القطان, حدثنا وهب بن جرير,
حدثنا أبي, حدثنا الزبير بن الخريت عن عكرمة قال: كان الجن يفرقون من الإنس كما
يفرق الإنس منهم أو أشد, فكان الإنس إذا نزلوا وادياً هرب الجن فيقول سيد القوم
نعوذ بسيد أهل هذا الوادي, فقال الجن نراهم يفرقون منا كما نفرق منهم فدنوا من
الإنس فأصابوهم بالخبل والجنون, فذلك قول الله عز وجل: {وأنه كان رجال من الإنس
يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً} أي إثماً ) ([28] )
وقال الطبري(حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله)
: (وانه كان رجال يعوزون برجال من الجن ذكر لنا أن هذا الحي من العرب كانوا إذا
نزلوا بواد قالوا : نعوذ بأعز أهل هذا المكان) :فزادوهم رهقا أي إثما ،
وازدادت الجن عليهم بذلك جراءة.([29])(
الدليل العاشر : قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ
طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُون:َ ) ( سورة
الأعراف – الآية 201 ) قال ابن كثير ( إذا مسهم أي أصابهم طيف وقرأ الآخرون
طائف وقد جاء فيه حديث وهما قراءتان مشهورتان ، فقيل :بمعنى واحد وقيل :
بينهما فرق ومنهم من فسر ذلك بالغضب ومنهم من فسره بمس الشيطان بالصرع ونحوه
) ([30]) واستدل بعضهم بان
مسهم طائف تعني أن الطائف من مس الشيطان والدخول إلى جسده وان معنى المس هو دخول
الجني إلى بدن الممسوس لان كلمة طائف جاء في عقبها الشيطان .
الدليل
الحادي عشر : حديث أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اذا
تثاوب أحدكم فليمسك بيده على فيه فإن
الشيطان يدخل ) ([31])
وفيه
تصريح بدخول الشيطان إلى داخل جوف ابن آدم مع الفم والشيطان أصله من الجن كما قال
تعالى (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا
إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ۗ أَفَتَتَّخِذُونَهُ
وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ ۚ بِئْسَ
لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا) (سورة الكهف-)50 وبهذا يتضح بطلان من نفى دخول الجن للإنس
وأنه مخالف لصريح المعقول وصحيح المنقول والله أعلم
حكم استخدام الجن للعلاج
بعد
أن بينا حكم دخول الجني لبدن الانسي نبين هنا بإذن الله حكم استخدام الجن للعلاج
وبما
أن استخدام الجن من باب الاستعانة فلنبدأ بتعريفها وشروطها لكي نؤصل المسألة
استعانه او به : طلب منه المساعدة والعون
([32])
وقال
الألوسي -رحمه الله- (الاستعانة هي طلب ما يتمكن به العبد من الفعل، ويوجب السير
عليه)) ([33])
وفي
معنى الاستعانة يتبين أن فيها طلب من آخر لأمر مقدور عليه عقلا
وكل
من أجاز استخدام الجن المسلم تعلق بفتوى ابن تيمية التالية :
ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في المجلد الحادي عشر
من مجموع الفتاوى ما مقتضاه أن استخدام الإنس للجن له ثلاث حالات:
الأولى: أن
يستخدمه في طاعة الله كأن يكون نائبا عنه في تبليغ الشرع، فمثلاً: إذا كان له صاحب
من الجن المؤمن يأخذ عنه العلم فيستخدمه في تبليغ الشرع لنظرائه من الجن، أو في
المعونة على أمور مطلوبة شرعًا فإنه يكون أمرًا محمودًا أو مطلوبًا وهو من الدعوةِ
إلى الله عز وجل. والجن حضروا للنبي صلى الله عليه وسلم وقرأ عليهم القرآن وولّوا
إلى قومهم منذرين، والجن فيهم الصلحاء والعبَّاد والزهَّاد والعلماء؛ لأن المنذر
لابدَّ أن يكون عالمًا بما ينذر عابدًا.
الثانية: أن
يستخدم في أمور مباحة فهذا جائز بشرط أن تكون الوسيلة مباحة فإن كانت محرمة فهو
محرم مثل: أن لا يخدمه الجني إلا أن يشركَ بالله كأن يذبح للجني أو يركع له أو
يسجد ونحو ذلك.
الثالثة: أن
يستخدم في أمور محرمة كنهب أموال الناس وترويعهم وما أشبه ذلك، فهذا محرم لما فيه
من العدوان والظلم، ثم إن كانت الوسيلة محرمة أو شركا كان أعظم وأشد). ([34])
والرد
عليها بما يلي :
في
قول ابن تيمية (بشرط أن تكون الوسيلة مباحة ) هو ما سبق الاشارة إليه في كون
الوسائل التي يستخدم بها الانسي الجني لا تخلوا من شبهه ولا يمكن تصور وقوعها إلا
بالطرق والوسائل التالية :
أن
يكلم الراقي الجن مشافهة متصورين بأشكال
مختلفة.
أن
يسمع أصواتهم ولا يراهم.
أن
يكلمهم على المصروع.
أن
يتلبس الجن نفس الراقي ويقذف في نفسه شيئا.
أن
يراهم في المنام فيكلمونه ويخبرونه بأمور ومنامات.
المتأمل
لهذه الطرق الخمسة يعرف عدم امكانية القول بالجواز بالاستعانة بهم على وجه يتيقن
معه عدم اللبس والاشتباه خصوصا أن الجن عالم غيبي لا يرى ولا يمكن الجزم بمصداقية
ما يقول والرد على الطرق الخمسة المذكورة بمايلي:
اولا
: أن يكلمهم مشافهة متصورين بأشكال فهذا لا يمكن إلا أن يكون قد قدم لهم قربانا او
صرف لهم شيئا من العبادة وهذا من الشرك نعوذ بالله وقد يكون في أقل أحوالهم لبس
عليه وأصبح يتخيل ماتقذفه الشياطين من تصورات كما ذكر ابن تيمية لما يحصل لبعض
المتصوفة من هذا القبيل من الشياطين.
ثانيا
: ان يسمع أصواتهم ولا يراهم وهذا قد يكون من الوساوس والظنون والتخرصات بل قد
يكون من هذا حاله هو من يحتاج إلى من يرقيه فضلا أن يرقي غيره !
ثالثا
: ان يكلم الجني على المصروع أثناء التلبس به وهنا أمران
من
أباح للراقي أن يخاطب الجني المعتدي والصائل على جسد الانسي وعرضه وهو هنا يجب
عليه وجوبا دفعه ولو قتل الانسي القاريء من الجن أثناء رقبته لكان شهيدا بإذن الله
كما بين ابن تيميه ذلك([35])
وكيف
يحمل كلامه على الصدق والأصل في الجن الكذب لحديث صدقك وهو كذوب ([36]) وأن كان السياق في
ذكر الشيطان إلا أن أصله من الجن كما قال تعالى (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ
اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ
أَمْرِ رَبِّهِ ۗ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ
لَكُمْ عَدُوٌّ ۚ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا)[سورة الكهف 50]
كيف يخبر هذا الجني المتسلط على جسد الانسي
بالحقيقة وهو أصلا قد صال عليه واعتدى على جسده وآذاه فهل يمكن أن يكون سبب داءك هو سبب دواءك !
رابعا:
أن يتلبس الجني الراقي بنفسه وهنا أصل المشكلة أن من يُبحث عنده عن سبب للدواء هو
من يحتاج بنفسه للعلاج ولو قلت لمريض اذهب لمريض مثلك لقال انما ابحث عن الطبيب لا
المريض؟
خامسا
: ان يراهم في المنام فيخبرونه بأشياء وهذه المسألة بالذات الناس فيها طرفي نقيض
بين افراط وتفريط والمسألة هنا برمتها ترجع إلى أحكام الرؤى وإلى أهل الإختصاص وقد
تكون رؤيا وقد تكون أضغاث أحلام او حديث نفس وهذا ماسنتكلم عنه بإذن الله في الشق
الثاني من الكتاب نسأل الله الإعانة والتوفيق
ولعلي
هنا أذكر مثل هذه الفتاوى للعلماء الربانيين الراسخبن في بيان حكم استخدام الجن في
العلاج:
سئلت
اللجنة الدائمة عن الاستعانة بالجان في معرفة العين أو السحر، وكذلك
تصديق الجني المتلبّس بالمريض بدعوى السحر والعين والبناء على دعواه؟
فكان
جوابها: لا تجوز الاستعانة بالجن في معرفة نوع الإصابة ونوع علاجها؛ لأن الاستعانة
بالجن شرك. قال الله تعالى: ﴿ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ
يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ﴾ [الجن: 6]. وقال
تعالى: ﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ
اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ
بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ
مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ
عَلِيمٌ ﴾ [الأنعام: 128]، ومعنى استمتاع بعضهم ببعض أن الإنس عظّموا الجن
وخضعوا لهم واستعاذوا بهم، والجن خدموهم بما يريدون وأحضروا لهم ما يطلبون، ومن
ذلك إخبارهم بنوع المرض وأسبابه مما يطّلع عليه الجن دون الإنس؛ وقد يكذبون فإنهم
لا يؤمنون، ولا يجوز تصديقه) ([37])
[1] فتح القدير الشوكاني
[2] تفسير القرطبي
[3] (9/19
الفتاوى )
[4] زاد المعاد في هدي خير العباد
[5] (تفسير
القرآن العظيم – 1 / 334)
[6] (مجموع
الفتاوى لابن تيمية ج24 ص277 )
[8] (الفتاوى
لابن تيمية ج4 ص276،ص277)
[9] عقيدة
المؤمن/ ص229،ص23
[11] (سلسلة
الأحاديث الصحيحة – 2918)
[15] سنن الترمذي صححه الالباني في صحيح الترمذي.
[16] الفتوحات الربانية ابن حجر العسقلاني حديث حسن
[20] ابن حجر العسقلاني -:المطالب العالية -
4/197 إسناده حسن
[21] (مجموع
الفتاوى – 157
[22] صحيح البخاري - الصفحة : 5652
[27] لسان العرب
[28] تفسير
ابن كثير )572 )
[29] تفسير الطبري ( 656)
[30] تفسير القرآن العظيم ابن كثير ( 2 / 267 )
[31] صحيح مسلم 2995
[32] المعجم: الرائد
[33] روح المعاني للألوسي1/145.عند تفسير
سورة الفاتحة
[34] مجموع
فتاوى أبن تيمية
[35] ذكر ابن تيمة هذه في المسالة في كتابه الفرقان
بين أولياء الرحمان واولياء الشيطان.