كلام ابن عربى عن المهدى

 

قال ابن العربي في الفتوحات المكية في كلامه عن المهدي : به يرفع المذاهب من الأرض فلا يبقى إلا الدين الخالص. أعداؤه مقلدة العلماء أهل الاجتهاد لما يرونه من الحكم بخلاف ما ذهبت إليه أئمتهم

إن الإمام إلى الوزير فقير وعليهما فلك الوجود يدور

والملك إن لم تستقم أحواله بوجود هذين فسوف يبور

إلا الإله الحق فهو منزهما عنده فيما يريد وزير

جل الإله الحق في ملكوته عن إن يراه الخلق وهو فقير

أن لله خليفة يخرج وقد امتلأت الأرض جورا وظلما

 

اعلم أيدنا اللّٰه أن لله خليفة يخرج و قد امتلأت الأرض جورا و ظلما فيملؤها قسطا و عدلا لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد طول اللّٰه ذلك اليوم حتى يلي هذا الخليفة من عترة رسول اللّٰه ص من ولد فاطمة يواطئ اسمه اسم رسول اللّٰه ص جده الحسن بن علي بن أبي طالب يبايع بين الركن و المقام يشبه رسول اللّٰه ص في خلقه بفتح الخاء و ينزل عنه في الخلق بضم الخاء لأنه لا يكون أحد مثل رسول اللّٰه ص في أخلاقه و اللّٰه يقول فيه وَ إِنَّكَ لَعَلىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ هو أجلي الجبهة أقنى الأنف أسعد الناس به أهل الكوفة يقسم المال بالسوية و يعدل في الرعية و يفصل في القضية يأتيه الرجل فيقول له يا مهدي أعطني و بين يديه المال فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله يخرج على فترة من الدين يزع اللّٰه به ما لا يزع بالقرآن يمسي جاهلا بخيلا جبانا و يصبح أعلم الناس أكرم الناس أشجع الناس يصلحه اللّٰه في ليلة يمشي النصر بين يديه يعيش خمسا أو سبعا أو تسعا يقفو أثر رسول اللّٰه ص لا يخطئ له ملك يسدده من حيث لا يراه يحمل الكل و يقوي الضعيف في الحق و يقري الضيف و يعين على نوائب الحق بفعل ما يقول و يقول ما يعلم و يعلم ما يشهد يفتح المدينة الرومية بالتكبير في سبعين ألفا من المسلمين من ولد إسحاق يشهد الملحمة العظمى مأدبة اللّٰه بمرج عكا يبيد الظلم و أهله يقيم الدين ينفخ الروح في الإسلام يعز الإسلام به بعد ذله و يحيا بعد موته يضع الجزية و يدعو إلى اللّٰه بالسيف فمن أبي قتل و من نازعه خذل يظهر من الدين ما هو الدين عليه في نفسه ما لو كان رسول اللّٰه ص لحكم به يرفع المذاهب من الأرض فلا يبقى إلا الدين الخالص أعداؤه مقلدة العلماء أهل الاجتهاد لما يرونه من الحكم بخلاف ما ذهبت إليه أئمتهم فيدخلون كرها تحت حكمه خوفا من سيفه و سطوته و رغبة فيما لديه يفرح به عامة المسلمين أكثر من خواصهم يبايعه العارفون بالله من أهل الحقائق عن شهود و كشف بتعريف إلهي له رجال إلهيون يقيمون دعوته و ينصرونه هم الوزراء يحملون أثقال المملكة و يعينونه على ما قلده اللّٰه ينزل عليه عيسى ابن مريم بالمنارة البيضاء بشرقي دمشق بين مهرودتين متكئا على ملكين ملك عن يمينه و ملك عن يساره يقطر رأسه ماء مثل الجمان يتحدر كأنما خرج من ديماس و الناس في صلاة العصر فيتنحى له الإمام من مقامه فيتقدم فيصلي بالناس يؤم الناس بسنة محمد ص يكسر الصليب و يقتل الخنزير و يقبض اللّٰه المهدي إليه طاهرا مطهرا و في زمانه يقتل السفياني عند شجرة

بغوطة دمشق ويخسف بجيشه في البيداء بين المدينة ومكة حتى لا يبقى من الجيش إلا رجل واحد من جهينة يستبيح هذا الجيش مدينة الرسول ص ثلاثة أيام ثم يرحل يطلب مكة فيخسف اللّٰه به في البيداء فمن كان مجبورا من ذلك الجيش مكرها يحشر على نيته

القرآن حاكم والسيف مبيد ولذلك

ورد في الخبر أن اللّٰه يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن

 

إلا إن ختم الأولياء شهيد وعين إمام العالمين فقيد

هو السيد المهدي من آل أحمد  هو الصارم الهندي حين يبيد

هو الشمس يجلو كل غم و ظلمة هو الوابل الوسمي حين يجود

و قد جاءكم زمانه و أظلكم أوانه و ظهر في القرن الرابع اللاحق بالقرون الثلاثة الماضية قرن رسول اللّٰه ص و هو قرن الصحابة ثم الذي يليه ثم الذي يلي الثاني ثم جاء بينهما فترات و حدثت أمور و انتشرت أهواء و سفكت دماء و عاثت الذئاب في البلاد و كثر الفساد إلى أن طم الجور و طمى سيله و أدبر نهار العدل بالظلم حين أقبل ليله فشهداؤه خير الشهداء و أمناؤه أفضل الأمناء و إن اللّٰه يستوزر له طائفة خبأهم له في مكنون غيبه أطلعهم كشفا و شهودا على الحقائق و ما هو أمر اللّٰه عليه في عباده فبمشاورتهم يفصل ما يفصل و هم العارفون الذين عرفوا ما ثم و أما هو في نفسه فصاحب سيف حق و سياسة مدنية يعرف من اللّٰه قدر ما تحتاج إليه مرتبته و منزله لأنه خليفة مسدد يفهم منطق الحيوان يسرى عدله في الإنس و الجان

إن وزراء المهدي ع من الأعاجم

من أسرار علم وزرائه الذين استوزرهم اللّٰه له قوله تعالى وَ كٰانَ حَقًّا عَلَيْنٰا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ و هم على أقدام رجال من الصحابة صَدَقُوا مٰا عٰاهَدُوا اللّٰهَ عَلَيْهِ و هم من الأعاجم ما فيهم عربي لكن لا يتكلمون إلا بالعربية لهم حافظ ليس من جنسهم ما عصى اللّٰه قط هو أخص الوزراء و أفضل الأمناء فأعطاهم اللّٰه في هذه الآية التي اتخذوها هجيرا و في ليلهم سمير أفضل علم الصدق حالا و ذوقا فعلموا إن الصدق سيف اللّٰه في الأرض ما قام بأحد و لا اتصف به إلا نصره اللّٰه لأن الصدق نعته و الصادق اسمه فنظروا بأعين سليمة من الرمد و سلكوا بأقدام ثابتة في سبيل الرشد فلم يروا الحق قيد مؤمنا من مؤمن بل أوجب على نفسه نصر المؤمنين و لم يقل بمن بل أرسلها مطلقة و جلاها محققة فقال يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا و قال وَ مٰا كٰانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاّٰ خَطَأً و قال وَ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْبٰاطِلِ فسماهم مؤمنين و قال وَ إِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فسمى المشرك مؤمنا فهؤلاء هم المؤمنون الذين أيه اللّٰه بهم في قوله يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللّٰهِ وَ رَسُولِهِ وَ الْكِتٰابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلىٰ رَسُولِهِ وَ الْكِتٰابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ فميزهم عن المؤمنين من أهل الكتاب و الكتب و ما تم مخبر جاء بخبر إلا الرسل فتعين إن المؤمنين الذين أمروا بالإيمان أنهم اَلَّذِينَ آمَنُوا بِالْبٰاطِلِ و آمنوا بالشريك عن شبه صرفتهم عن الدليل لأن الذين آمنوا بالباطل كفروا بالله و الذين آمنوا بالشريك اشمأزت قلوبهم إِذٰا ذُكِرَ اللّٰهُ وَحْدَهُ فما أتاهم بهذا الخبر إلا أئمتهم المضلون الذين سبقوهم و كان ذلك في زعمهم عن برهان أعني الأئمة لا عن قصور بل وفوا النظر حقه فما أعطاهم استعدادهم الذي آتاهم اللّٰه و ما كلف اللّٰه نَفْساً إِلاّٰ مٰا آتٰاهٰا و ما آتاها غير ما جاءت به فآمن بذلك أتباعهم و صدقوا في إيمانهم و ما قصدوا إلا طريق النجاة ما قصدوا ما يرديهم و لما رأوا أن اللّٰه يفعل ابتداء و يفعل بالآلة جعلوا الشريك كالوزير معينا على ظهور بعض الأفعال الحاصلة في الوجود فلما ذكر اللّٰه وحده رأوا أن هذا الذاكر لم يوف الأمر حقه لما علموا من توقف بعض الأفعال على وجود بعض الخلق و ما كان مشهودهم إلا الأفعال الإلهية الحاصلة في الوجود عن الأسباب المخلوقة فلم يقبلوا توحيد الأفعال لأنهم ما شاهدوه و لو قبلوه أبطلوا حكمة اللّٰه فيما وضع من الأسباب علوا و سفلا فهذا الذي أداهم إلى الاشمئزاز و عدم الإنصاف فذمهم اللّٰه إيثار الجناب المؤمنين الذين لم يروا فاعلا إلا اللّٰه و أن القدرة الحادثة و الأمور الموقوفة على الأسباب لا أثر لها في الفعل فهذه الطائفة وحدها هي التي خص اللّٰه بهذا الخطاب و أما الذين كفروا بالله فهم الذين ستروه بحجاب الشرك و آمنوا بالباطل و الباطل عدم و ما رأوا من ينتفي عنه التشبيه و الشرك إلا العدم فإن الوجود صفة مشتركة

 

 

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال