مآلات القدح في الصحابة رضى الله عنهم


مآلات القدح في الصحابة رضى الله عنهم

        إنَّ الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلِّم تسليماً.

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}([1])

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً  وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ  إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} ([2])

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا}([3])

أما بعد:

فإن من أصول عقيدة أهل السنة والجماعة الترضي عن الصحابة رضوان الله عليهم، الذين اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم وزكاهم ورضي عنهم وأرضاهم.

وإن من المؤسف أن يتعرض لهم من أهل الملة -فضلاً عن غيرهم- بالذم والطعن والقدح في دينهم وعدالتهم، ويترتب على هذا مآلات خطيرة تخرج العبد من الإسلام، وهذا الضلال منتشر من فرق تتبنى ذلك وتربي أجيالها عليه، وإن من المهم جداً بيان خطورة هذا الجرم، والدفاع عن الصحابة رضي الله عنهم وبيان عظيم قدرهم ومكانتهم وشرفهم.


الصحابة جمع صاحب وصحابي. والصحابي: من لقي الني صلى الله عليه ولم مؤمناً به ومات على ذلك. قال الإمام البخاري رحمه الله: من صحب النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه من المسلمين فهومن أصحابه.

        والمقصود: أن الصحبة فيها خصوص وعموم، وعمومها يندرج فيه كل من رأى النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ولهذا يقال صحبه بما يتميز به عن غيره يوصف بتلك الصحبة دون من لم شركه فيها.

        قال غير واحد من أهل العلم: كل من صحب النبي صلى الله عليه وسلم أفضل ممن لم يصحبه مطلقاً، فإنه حصل لهم بالصحبة بالدرجة أمر لا يساويه ما يحصل لغيرهم بعلمه وعمله، ولم يبلغ أحد مثل منازلهم التي أدركوها بصحبه النبي صلى الله عليه وسلم. ([1])

الصحابي لغة مشتق من الصحبة, وهي المعاشرة, جاء في لسان العرب: صحبه يصحبه صُحبة بالضم وصحابة بالفتح, وصاحَبَه عاشَرَه ... والصاحب المُعاشر([2]) .

وقال صاحب المصباح المنير: والأصل في هذا الإطلاق -أي إطلاق اسم الصحبة من حيث اللغة- لمن حصل له رؤية ومجالسة. ووراء ذلك شروط للأصوليين. ويطلق مجازاً على من تمذهب بمذهب من مذاهب الأئمة, فيقال: أصحاب الشافعي, وأصحاب أبي حنيفة([3]), وكل شيءٍ لائم شيئاً فقد استصحبه([4]) .

ولا يشترط في إطلاق اسم الصحبة لغة, أن تكون الملازمة بين الشيئين طويلة الأمد, أو الملابسة بينهما عميقة, لأنها اسم مشتق من فعل, والأسماء المشتقة من الأفعال يصح أن تطلق بمجرد صدور الفعل, ولا علاقة لها بمقدار تحقق ذلك الفعل في الشخص.

ولعل أرجح التعاريف وأجمعها ما اختاره ابن حجر إذ قال: (وأصح ما وقفت عليه من ذلك أن الصحابي من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على الإسلام فيدخل فيمن لقيه من طالت مجالسته أو قصرت ومن روى عنه أو لم يرو عنه ومن غزا معه أو لم يغز معه ومن رآه ولو لم يجالسه, ومن لم يره لعارض كالعمى) ([5]).

وهذا الذي صححه ابن حجر نسَبَه كثير من العلماء إلى الإمام البخاري رحمه الله. وأثبت ابن حجر أن البخاري تابع فيه شيخه علي بن المديني رحمه الله حيث قال: (وقد وجدت ما جزم به البخاري من تعريف الصحابي في كلام شيخه علي بن المديني فقرأت في المستخرج لأبي قاسم بن منده بسنده إلى أحمد بن يسار الحافظ المروزي قال: سمعت أحمد بن عتيك يقول: قال علي بن المديني: من صحب النبي صلى الله عليه وسلم ولو ساعة من نهار فهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم) ([6]).

لا شك أن علماء الأمة عليهم رضوان الله تعالى كانوا عالمين أن الصحابة يمتازون عن غيرهم بأمور استحقوا بها أن يسجل الله سبحانه وتعالى تعديلهم في الذكر الحكيم ليبقى في صدور المؤمنين وعلى أطراف ألسنتهم ما دامت السموات والأرض.

ومن أجل أن نتعرف على الأمور التي استحق بها الصحابة رضي الله عنهم هذه المنزلة, يجدر بنا أن نتعرف أولاً على الأسس التي يتفاضل العاملون بموجبها في أعمالهم بشكل عام, ثم نتعرف على نصيب الصحابة من تلك الأسس لكي نكون على بينة من أمرنا. ومن أجــل أن لا يظن ظان أن العلماء ربما بالغوا حينما قالوا بتعديل الصحابة رضوان الله عليهم وتفضيلهم على مَن سواهم.

لم يكن مصطلح مآلات القدح كثير الرواج في التراث الفقهي الأصولي، ولعل الإمام الشاطبي كان من أكثر من استعمله من بين الفقهاء والأصوليين([7])، إلا أن مضمون هذا الأصل الفقهي كان كثير التداول في ذلك التراث، كما كان كثير الاستعمال من قِبل الفقهاء والمجتهدين، وذلك ضمن قواعد وأصول تحمل عناوين أخرى من مثل: سد الذرائع، والاستحسان، والحيل، وغيرها من القواعد الفقهية، فكلّها تندرج من حيث المعنى في مدلول مآلات القدح على وجه العموم.

قد يرد مصطلح مآلات الأفعال بألفاظ أخرى دون أن يتغير من المدلول شيء، وذلك مثل: مآلات الأعمال، ومآلات الأحكام، ومآلات الأسباب. ومن حيث اللغة، فإن مآلات الأفعال أو الأعمال يقصد بها ما ينتهي إليه العمل أو الفعل الذي يقوم به الإنسان من أثر في نفسه أو في غيره، كأن ينتهي الزواج إلى تحصين النفس، والشورى إلى ترشيد الرأي، والسرقة إلى الاضطراب وفقدان الأمن. ومآلات الأحكام يقصد بها الأثر الذي يحدثه الحكم الشرعي حينما يجري وفقه فعل ما من الأفعال، كأن ينتهي حكم المنع في شرب الخمر إلى حفظ العقل، وحكم الوجوب في أداء الزكاة إلى التكافل الاجتماعي، وحكم الإباحة في الكثير من الأعمال إلى التوسعة ورفع الحرج. وعلى نفس المعنى يحمل لفظ مآلات الأسباب؛ لأن المقصود بالأسباب هي الأحكام الشرعية.

وأمّا اعتبار مآلات الأفعال كقاعدة أصوليه، فالمقصود به أن الحكم الشرعي إنّما وضع لتحقيق مصلحة للإنسان، وقد شُرّعت الأحكام في طلبها لتلك المصلحة على أساس من العموم الذي يشمل أجناس الأفعال مطلقا عن الزمان والمكان والأعيان؛ ولكنّ الأحكام وإن كانت في الغالب الأعمّ تؤول عند تطبيقها على واقع الأفعال إلى تحقيق المصلحة المبتغاة منها، فإنّها في بعض الأحيان، وفي بعض الأعيان قد لا تؤدّي إلى تلك المصلحة المبتغاة، بل قد تؤدي إلى نقيضها من المفسدة؛ وذلك لخصوصية تطرأ على ذات تلك الأعيان أو على ظرفها، تخرج بها عن عموم خصائص جنسها التي قدر على أساسها الحكم، فإذا تطبيق الحكم عليها يؤول إلى المفسدة من حيث أريد به تحقيق المصلحة.

 وفي هذه الحال فإن الفقيه يراعي ذلك المآل الذي آل إليه الفعل عند جريانه على مقتضى الحكم، فيعدل به إلى حكم آخر يتحرّى المصلحة ويتفادى المفسدة. ومثال ذلك أن فعل السرقة شرع له حكم المنع بالحرمة، لما يحقّق ذلك الحكم من مصلحة الأمن على الأموال وما يتبعه من الاجتهاد في كسبها وتنميتها؛ ولكن قد يحيط بأحد الأعيان في أفراد السرقة ظرف خاص، كأن يجد الإنسان نفسه على أبواب الهلاك جوعا، ويكون ذلك الظرف سببا في مفسدة الهلاك فيما لو طبق حكم المنع على هذا الفرد من أفراد السرقة شأن كل أفراد جنسها؛ وبالنظر إلى ذلك فإن الفقيه يعدل بحكم المنع في هذا الفرد لعدم تحقيقه المصلحة المبتغاة منه إلى حكم الجواز.  

 

المبحث الأول

الطعن في القرآن الكريم والسنة

المطلب الأول: الطعن في ثبوت القرآن الكريم والسنة النبوية

المطلب الثاني: الطعن في النصوص التي فيها ثناء على الصحابة

المطلب الثالث: التشكيك في الشريعة الإسلامية


المبحث الأول

 الطعن في القرآن الكريم والسنة

المطلب الأول: الطعن في ثبوت القرآن الكريم والسنة النبوية:

        إن الرافضة وقفوا من الصحابة موقفاً لم ترضه اليهود في اصحاب موسى ولم ترضه النصارى في أصحاب عيسى، فلقد اجترؤوا على الصحابة الكرام وتناولوهم بالطعن والقدح المشبين استجابة منهم بذلك إلى سلوك غير سبيل المؤمنين فيهم فلهم مطاعن في الصحابة على وجه العموم، ولهم مطاعن في أفراد منهم على وجه الخصوص.

        فمن مطاعنهم في الصحابة عموماً أن أكثرهم انفضوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العير التي جاءت من الشام وتركوه وحده في خطبة الجمعة وتوجهوا إلى اللهو واشتغلوا بالتارة وذلك دليل على عدم الديانة([9]).

        والرد على هذا ان هذه القصة حصلت في بداية زمن الهجرة ولم يكونوا رضي الله عنهم قد علموا جميع الآداب الشرعية، وكان قد أصاب أهل المدين جوع فغلب على ظنهم أن الإبل التي جاءت محملة بالميرة([10]) لو ذهبت يزيد الغلاء ويعم البلاء، ثم لم ينفضوا جميعهم، بل كبار الصحابة كأبي بكر وعمر كانوا قائمين عنه صلى الله عليه وسلم، كما ثبت في الأحاديث الصحيحة، ولذا لم يشنع على الذين خرجوا عند وصول القافلة التجارية إلى المدينة، ولم يتوعدهم الله سبحانه بعذاب ولم يعتب عليهم المصطفى صلى الله عليه وسلم. ([11])

        قال الألوسي رحمه الله مبيناً طعن الشيعة على الصحابة بقوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا}([12])، وبيان بطلان ذلك حيث قال عند هذه الآية: "وطعن الشيعة بهذه الآية الصحابة رضي الله تعالى عنهم بأنهم آثروا دنياهم على آخرتهم حيث انفضوا إلى اللهو التجارة ورغبوا عن الصلاة التي هي عماد الدين وأفضل من كثير من العبادات لا سيما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى أن ذلك قد وقع مراراً منهم، وفيه أن كبار الصحابة كأبي بكر وعمر([13]) وسائر العشرة المبشرة لم ينفضوا، والقصة كانت في أوائل زمن الهجرة، ولم يكن أكثر القوم تام التحلي بحلية آداب الشريعة بعد وكان قد أصاب أهل المدينة جوع وغلاء سعر، فخاف أولئك المنفضون اشتداد الامر عليهم بشراء غيرهم ما يقتات به لو لم ينفضوا ولذا لم يتوعدهم الله تعالى على ذلك بالنار أو نحوها بل قصارى ما فعل –سبحانه- أنه عاتبهم ووعظهم ونصحهم، ورواية أن ذلك وقع منهم مراراً إن أريد بها رواية البيهقي في شعب الإيمان عن مقاتل بن حيان أنه قال: بلغني والله تعالى أعلم أنهم فعلوا ثلاث مرات، فمثل ذلك لا يلتفت إليه، ولا يعول عند المحدثين عليه، وإن أريد بها غيرها فليبين ولتثبت صحته، وأني بذلك؟، وبالجملة الطعن بجميع الصحابة لهذه القصة التي كانت من بعضهم في أوائل أمرهم وقد عقبها منهم عبادات؟ لا تحصى سفه ظاهر وجهل وافر". ([14])

        قال الحافظ ابن كثير: " ولكن ههنا شيء ينبغي أن يعلم وهو: أن هذه القصة قد قيل إنها كانت لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم الصلاة يوم الجمعة على الخطبة، كما رواه أبو داود في كتاب المراسيل. ([15])

        فلا مطعن على الصحابة بما حصل منهم في أوائل زمن الهجرة حيث لم يزالوا حينها في بداية تعلم الآداب الشرعية، وأيضاً لم ينفضوا جميعهم بل إن عظماء الصحابة كالعشرة المبشرة بالجنة لم يخرجوا بل لزموا النبي صلى الله عليه وسلم فطعن الشيعة على الصحابة بهذا كله هراء وهذيان لا يقبله من نور الله قبله بنور الإيمان.

        ومن مطاعنهم في جميع الصحابة أنه يعتقدون فيهم أنهم ارتدوا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعوى أنهم جحدوا النص على إمامة علي، وبايعوا غيره بالخلافة، ولم يستثنوا منهم بعد علي وبعض أهل البيت إلا سلمان الفارسي وأبا ذر والمقداد بن الأسود وعمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان وأبا الهيثم بن التيهان وسهل بن حنيف وعبادة بن الصامت وأبا أيوب الأنصاري وخزيمة بن ثابت وأبا سعيد الخدري([16])، وبعض الشيعة يرى أن الطيبين من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أقل عدداً من هؤلاء.

        فقد روى الكليني بسنده إلى أبي جعفر أنه قال : ارتد الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم وآله إلا ثلاثة هم المقداد وسلمان وأبو ذر. ([17])

        وروى أيضاً: عن عبد الرحمن القصير قال: قلت لأبي جعفر: إن الناس يفزعون إذا قلنا: إن الناس ارتدوا، فقال: يا عبد الرحمن إن الناس عادوا بعدما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم آله أهل جاهلية، إن الأنصار اعتزلت فلم تعتزل بخير، جعلوا يبايعون سعداً وهم يرتجزون ارتجاز الجاهلية. ([18])

        وروى أيضاً: بسنده عن حمران بن أعين قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام جعلت فداك فما أقلنا! لو اجتمعنا على شاة ما أفنيناها؟ قال: ألا أحدثك بأعجب من ذلك المهاجرون والأنصار ذهبوا إلا – وأشار بيده- إلا ثلاثة، قال حمران: فقلت: جعلت فداك ما حال عمار؟، قال: رحم الله عماراً أبا اليقظان بايع وقتل شهيداً". ([19])

هذا أخبث معتقد للشيعة الإمامية في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كبرت كلمة تخرج من أقوافهم إن يقولون إلا كذباً.

المطلب الثاني: الطعن في النصوص التي فيها ثناء على الصحابة:

        والرد على هذا المعتقد الفاسد أن مضمون التكذيب بالمحكم من آيات الكتاب العزيز التي شهد الله لهم فيها بما وقر في قلوبهم، من حقيقة الإيمان وشهادة الله –عز وجل- للصحابة الكرام بالإيمان الصادق ليست شهدة قاصرة على الحياة الدنيا بل امتدت حتى شملت حسن الخاتمة بالموت على ذلك وما يستتبعه من وعده – تعالى- لهم بالمغفرة والرضوان وحسن المثوبة في الجنان.

        قال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}([20])

        ففي هذه الآية إخبار من الله – عز وجل- عن رضاه عن السابقين من المهاجرين والانصار والتابعين لهم بإحسان، ورضاهم بما أعده لهم من جنات النعيم وهذا يعني الموت على الإيمان بشهادة محكم القرآن، فأين من الإيمان بالقرآن من يسبون من رضي الله عنهم ووعدهم بجنة الخلد وفوز الأبد.

        وقال تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ*الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ *خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ِنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} ([21])

        وفي هذه الآيات شهد الله لأصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم الذين آمنوا، وشرفوا بالهجرة والجهاد في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم بالفوز، وعظيم الدرجات، وبشرهم برحمة منه ورضوان، وبالنعيم المقيم في الجنات فهل هذه الشهادة وهذه البشارة تكون لقوم علم الله أنهم سيرتدون بعد عن دينهم ويموتون وهم كفار؟، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.

        وقال تعالى: {لَٰكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ*أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}([22])

        وفي هاتين الآيتين وعد من الله –جل وعلا- لرسوله وللذين آمنوا معه بالخيرات والدرجات العلى في جنات الفردوس، فهل يكون هذا الوعد لقوم علم الله أنهم سيرتدون على أعقابهم، بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم؟ وهل كان هؤلاء ثلاثة أشخاص، أو عشرة كما يزعم الزاعمون أم أنهم جيوش تحقق بهم نصر الله وتمكن من موجهة جيوش دولة الروم التي كانت في زمنهم أقوى وأعظم دولة على وجه الأرض؟ وقال تعالى: {لَّقَد تَّابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} ([23])

        وفي هذه الآية إخبار من الرب –جل وعلا- أنه أكرم أصحاب نبيه وأنزلهم منزلة عالية حيث قرن بينهم وبين نبيهم في التوبة وهؤلاء هم الصحابة الذين خرجوا معه في غزوة تبوك وكان عددهم أكثر من ثلاثين ألفا([24])، فالذي يعتقد أن الصحابة كفروا إلا ثلاثة نفر أو عشرة أو أكثر فهو ضال مضل لا يؤمن بيوم الحساب.

        وقال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا}.([25])

        هذه الآية تضمنت وعد الله باستخلاف الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الحاضرين في زمن المصطفى صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن هذا الاستخلاف لم يحصل إلا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم لأن استخلاف غيره لا يكون إلا بعده، ومما هو معلوم  بالضرورة أنه لا نبوة بعده عليه الصلاة والسلام، فيكون المراد بالاستخلاف هي الخلافة الراشدة التي كانت بعده صلى الله عليه وسلم للخلفاء الأربعة الراشدين، وقد حصل في زمن أبي بكر وعمر وعثمان من الفتوح العظيمة وحصول التمكين وظهور الدين والأمن ما هو معلوم لدى كل إنسان بصره الله لاتباع الحق وهدى قلبه للإيمان، ولا يجحد ذلك إلا من استحب العمى على الهدى، وملئ قلبه بعقيدة المخذولين من الرافضة الذين جحدوا ما لخيار الأمة من الفضل وحيازة قصب السبق إلى الإسلام، والدين الذي مكنه الله لهم ونشروه في مشارق الأرض ومغاربها هو دين الإسلام، الذي ارتضاه الله لعباده ديناً ولا يقبل منهم سواه، فما يجرؤ على القول بتكفير أولئك الخلفاء العظام الذين تحقق على أيديهم وعد الله إلا إنسان امتلأ قلبه بالتكذيب لما أخبر الله به عنهم من صدق الإيمان وقوة اليقين وما يكذب الله في أخباره بذلك إلا الرافضة الذين وقفوا منهم موقفاً لم ترضه اليهود والنصارى في أصحاب موسى وعيسى.

        قال العلامة ابن العربي : " ما رضيت النصارى واليهود في أصحاب موسى وعيسى ما رضيت الروافض في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حين حكموا عليهم بأنهم قد اتفقوا على الكفر والباطل، فما يرجى من هؤلاء وما يستبقى منهم؟، وقد قال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا}.([26]) وهذا قول صدق ووعد حق، وقد انقرض عصرهم ولا خليفة ولا تمكين ولا أمن ولا سكون إلا في ظلم وتعد وغصب وهرج وتشتيت وإثارة ثائرة"([27]).

        وقال تعالى: {لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا}([28]).

        هذه الآية الكريمة أخبر الله تعالى فيها أن رضي عن أصحاب بيعة الرضوان وزكاهم بما وقر في قلوبهم من الوفاء والصدق بقوله في الآية : { فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ } وكان عددهم رضي الله عنهم ألفاً وأربعمائة([29]) فمن اعتقد أن الصحابة كفروا إلا نقراً يسيراً فهو من أخسر الخاسرين وأهلك الهالكين.

        وقال تعالى {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ  تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ  ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}([30])

        هذه الآية الكريمة تضمنت المدح والثناء للصحابة بكثرة الصلاة وصدق إخلاصهم فيها لله – جل وعلا- يرجون من وراء ذلك عظيم الأجر وجزيل الثواب وأخبر تعالى أنه وعدهم على ذلك المغفرة والأجر العظيم ووعده تبارك وتعالى حق وصدق لا يخلف ولا يبدل، وهذا فيه القطع لهم بصدق الإيمان الذي عاشوا عليه وماتوا عليه.

المطلب الثالث: التشكيك في الشريعة الإسلامية:

        هذا الطعن من أقدم الطعون وقد ذكر في القرآن كما في قوله سبحانه :{وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}([31])؛ أي أنك متقول على الله تعالى([32]).

        وكما قال سبحانه: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا}([33])

        وتقدم في مبحث ردود القرآن على الطاعنين تفصيل هذا الطعن ورد القرآن عليه، ولا زال الطاعنون يرددون هذه الشبهة إلى اليوم: ففي دائرة المعارف الإسلامية: (القرآن ليس من عند الله) ([34]). ويقول المستشرق ويلز([35]): (محمد هو الذي صنع القرآن) ([36]). ويقول يوليوس فلهاوزن([37]): (القرآن من عند محمد) ([38]). ويقول غوستاف لوبون: (القرآن من تأليف محمد).

فقد فصل الله تعالى هذه القضية بقوله: {وَمَا كَانَ هَٰذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ اللَّهِ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ}([39])

        قال ابن كثير رحمه في تفسير هذه الآية : (هذا بيان لإعجاز القرآن، وأنه لا يستطيع البشر أن يأتوا بمثله، ولا بعشر سور ولا بسورة من مثله؛ لأنه بفصاحته وبلاغته وووجازته وحلاوته  واشتماله على المعاني الغزيرة النافعة في الدنيا والآخرة، لا يكون إلا من عد الله، الذي لا يشبه شيء في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعالهم وأقواله، فكلامه لا يشبه كلام المخلوقين؛ ولهذا قال تعالى: { وَمَا كَانَ هَٰذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ اللَّهِ} أي مثل هذا القرآن لا يكون غلا من عند الله ، ولا يشبه هذا الكلام البشري { وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} أي من الكتب المتقدمة، ومهيمناً عليه ومبينا لما وقع فيها من التحريف والتأويل والتبديل، وقوله: { وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ} أي وبيان الأحكام والحلال والحرام بياناً شافياً كافياً، حقاً لا مرية فيه من الله رب العالمين، كما في حديث الحارث الأعور عن علي بن أبي طالب: ( فيه خبر ما قبلكم ونبأ ما بعدكم وفصل ما بينكم ) أي خبر عما سلف وعما سيأتي وحكم فيما بين الناس بالشرع الذي يحبه الله ويرضاه). ([40])

        لقد علم الناس أجمعون – علماً لا يخالطه شك – أن هذا الكتاب العزيز جاء على لسان رجل عربي أمي، ولد بمكة في القرن السادس الميلادي، اسمه محمد بن عبدالله بن عبد المطلب، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله... هذا القدر لا خلاف فيه بين مؤمن وملحد؛ لأن شهادة التاريخ المتواتر به لا يماثلها ولا يدانيها شهادته لكتاب غيره ولا لحادث غيره ظهر عل وجه الأرض. ([41])

        لو كان القرآن من تأليف النبي صلى الله عليه وسلم لاستطاع العرب أن يأتوا بمثله، مع حرصهم الشديد على معارضته، لكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحداهم دائماً ويكرره عليهم كثيراً، ومع هذا لم يطق أحد منهم معارضته، ولا يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم بلغ من العبقرية مبلغاً، بحيث لم يستطع أحد أن يأتي بمثل ما قال, لأنه يمكن للمخالفين أن يجتمعوا فيألفوا قرآناً.

        ومن المعلوم أن الجماعة تبدع وتبتكر أكثر من الإنسان الواحد، فلو اجتمع مائة شاعر مثلاً لتأليف قصيدة؛ لكانت في جمالها وقوتها وسبكها أفضل بمراحل من شاعر واحد ألف قصيدة، مهما بلغ هذا الشاعر من البلاغة والبيان. ([42])

فإذا كان آحاد المشركين لم يستطيعون معارضة القرآن؛ فلما   ذا لم يجتمعوا لمعارضته ؟ ولكن هيهات؛ فإنه لو اجتمعت قريش والعرب وأهل الأرض قاطبة، بل والجن ما كانوا لهم أن يأتوا بمثل آية منه: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا } ([43])

المبحث الثاني

 رجوع الطعن عن قدح في الصحابة رضي الله عنهم

 

المطلب الأول: الطعن في شهادته

المطلب الثاني: وصفه بالزندقة

المطلب الثالث: وصفه بالنفاق

 

  

المبحث الثاني

 رجوع الطعن عن قدح في الصحابة رضي الله عنهم

المطلب الأول: الطعن في شهادته:  

        يدعي بعض المشككين أن غالبية الصحابة رضي الله عنهم يكونوا عدولاً لارتكابهم مخالفات تقدح في عدالتهم نص عليها القرآن الكريم ، مستدلين على ذلك بانقضاضهم عن النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة، إذا يقول سبحانه وتعالى:{ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا}([44])، كما أنهم تولوا يوم الزحف في غزوتي أحد وحنين ، وذلك في قوله سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا}([45])، وبقوله سبحانه وتعالى {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ۙ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِين} ([46])

        زاعمين أن القرآن الكريم شهد بذلك على عدم عدالة كثير منهم، وحط من قدرهم. رامين من وراء ذلك إلى الطعن في عدالة الصحابة الكرام.

        إن ما تحدثت عنه آية سورة الجمعة من انفضاض أكثر الصحابة إلى العير القادمة من الشام، وتركهم خطبة الجمعة – وقد وقع ي بدء زمن الهجرة؛ إذا لم يكونوا واقفين على مثل هذا من الآداب الشرعية، فنزلت هذه الآية توجيها وتربية لتلك الجماعة الأولى، التي صارت فيما بعد النموذج الفريد في تاريخ الإسلام، وفي تاريخ البشرية جمعاء، فكيف يلامون على أمر لم ينبهوا إليه بعد؟!. ([47])

        إن هذه الآيات قد نزلت للتوجيه والتعليم من المولى عز وجل إلى البعاد حتى يكونوا خير أمة أخرجت للناس، وقد كان ذلك في بداية الدعوة لهذا الدين الجديد، وإرساء تعاليمه في قلوب تلك الجماعة المسلمة، فكيف يؤخذ عليها ما يصدر منها من أفعال في بداية عهدها الإسلام على أنه قدح في عدالتها؟! فكم يصدر من الطفل من أخطاء في بداية تعليمه! وكم يعلمه أبو حتى يصير سوياً قادراً على مواجهة الحياة! فهكا كانت تلك الجماعة الأولى المسلمة في بدايتها لم تزل بها بقايا عادات وتقاليد الجاهلية الأولى، فكان المولى عز وجل يوجهها ويعلمها؛ حتى يخلصها من هذه الآثار الجاهلية، ويعدها لتكون خير أمة أخرجت للناس، وذلك لا يقدح في عدالتها شيئاً، ففي تلك الفترة لم تكن تعلم تلك الجماعة التي تركت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً يخطب أن في ذلك إثما، وبمجرد أن جاءت الآيات تنبههم على تصرفهم، كانوا أشد التزاماً وحرصاً على تنفي أوامر المولى عز وجل، فوجدنا عراك بن مالك رضي الله عنه يصلي الجمعة، ويقف على باب المسجد يقول : "الهلم إني أجبت دعوتك وصليت في بيتك وانتشرت كما أمرتني، فارزقني من فضلك وأنت خير الرازقين".([48])

        الحقيقة أنها ليست شهادة من القرآن على عدم عدالتهم، إنما هي مرحلة التعليم والتوجيه، مرحلة الخروج من الجهل والجاهلية إلى العلم والإسلام، فهل توجيه الله لهم وإرشادهم يؤخذ عليهم ويطعن به في عدالتهم؟!.

        وهناك شيء آخر غفل عنه هؤلاء أو تغافلوا عنه، هو أن أبا هريرة رضي الله عنه هو أحد رواة حديث تحريم الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد روى البخاري عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "... ومن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار". ([49])

        فهل يعقل أن يمكون الصحابي أبو هريرة رضي الله عنه أحد رواه هذا الحديث، ثم يأتي بعد ذلك ويكذب على رسوله الله صلى الله عليه سلم؟!.

        ومن خلال ما سبق يتبين أن كل ألفاظ التكذيب التي نطق بها الصحابة في مثل هذه الرواية تحمل على هذا المعنى، وهو التخطئة لا التكذيب، وعليه فإن الزبير لم يتهم أبا هريرة بالكذب؛ لأنه يقصد بالكذب الخطأ والغلط، وهذا هو الصحيح في لغة العرب. ([50])

        إن طلب أبي بكر وعمر من المغيرة وأبي موسى من يشهد معهما يحمل على ما عرف عنهما من التثبت في رواية الأخبار، وحمل الصحابة على ذلك، وليس تكذيباً لهما أو طعناً في مصداقيتهما.

        فأبو بكر الصديق وكذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أراد أن يعطيا الصحابة – وبخاصة صغارهم – درساً في التثبت في قبول الأخبار وروايتها، فإذا كان مثل أبي موسى والمغيرة – وهما من هما في جلالة قدرهما بين الصحابة – يطلب منهما أن يأتياً براوٍ آخر، كان من دون أبي موسى والمغيرة من الصحابة وغيرهم من التابعين أحق بالتثبت، وأجدر بالتروي في نقل الأخبار وروايتها. هذا هو المحمل الصحيح لما صنعا، ويدل عليه قول عمر رضي الله عنه لأبي موسى: " أما إني لم أتهمك، ولكني خشيت أن يتقول النسا على رسول الله صلى الله عليه وسلم. ([51])

المطلب الثاني: وصفه بالزندقة:

        للزنادقة هدف يتلخص في أنهم يقصدون إلى إفساد الإسلام والمسلمين والقضاء على صفاء الدين في نفوسهم، وتشويشهم بإدخال ما ليس في دين الله تعالى من المعاني والأفكار الإباحية الباطلة.

        فتراهم يحلون المحظورات، ويستحلون الحرمات، ويحرفون الآيات والنصوص الشرعية عن دلالاتها ومراد الشارع منها، ويحملونها على مرادهم وقصدهم الباطل الخبيث ليضلوا بذلك العباد ويخرجوهم من دينهم الحنيف.

        لا هم لهم إلا محاربة الإسلام .. وصد الناس عنه، وهم في سبيل ذلك لا يتورعون أن يسلكوا كل طريق أو وسلة، وينتهكوا كل حرمة أو غاية. ولهم علامات عدة، أبرزها لجوئهم إلى المتشابهات في الدين، حمالات الأوجه والتفسير – لسهولة تأويلها وتحريفها والخوض فيها – وتسليطها على المحكمات في الدين، وجعلها حكماً عليها وكأنها هي الأصل وما سواها بالنسبة لها فرع.

        كما قال تعالى فيهم: { هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ}([52]). وقوله: ابتغاء تأوله أي ابتغاء تحريفه بما يوافق أهواءهم ومرادهم.

        والزنادقة هم أكثر الناس ابتاعاً للمتشابهات ابتغاء الفتنة والتحريف، وصد الناس عن الحق واتباعه..!! وحكم الزنديق في دين الله أنه يقتل كفراً وردة ولا يستتاب، فالاستتابة تكون من شيء والزنديق لا يعترف بشيء، فمما يستتاب..؟!

        والدليل على وجوب قتله قوله تعالى: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ } ([53]) قال ابن تخمية في الصارم المسلول: قال أهل التفسير أو بآيدينا بالقتل إن أظهرتم ما في قلوبكم قتلناكم، وهو كما قالوا، لأن العذاب على ما يبطنونه من النفاق بأيدينا لا يكون إلا القتل لكفرهم، ولو كان المنافق يجب قبول ما يظهر من التوبة بعدما ظهر نفاقه وزندقته لم يمكن أن يتربص بهم أن يصيبهم الله تعالى بعذاب من عنده أو بأيدينا، لأنا كلما أردنا أن نعدبهم على ما أظهروه أظهروا التوبة..! ولأنه لو قبلت علانيتهم دائماً مع ثبوت ضدها لهم يمكن إلى الجهاد على النفاق سبيل، فإن المنافق إذا ثبتت عنه أنه أظهر الكفر فلو كان إظهار الإسلام حينئذ ينفعه لم يمكن جهاده. أنتهى.

        وقال ابن القيم في زاد المعاد: وهاهنا قاعدة يجب التنبيه عليها لعموم الحاجة إليها وهي أن الشارع إنما قبل توبة الكافر الأصلي من كفره بالإسلام لأنه ظاهر لم يعارضه ما هو أقوى منه فيجب العمل به لأنه مقتضى لحقن الدم والمعارض منتفٍ، فأما الزنديق فإنه قد أظهر ما يبيح دمه، فإظهاره – بعد القدرة عليه – للتوبة والإسلام لا يدل على زوال ذلك الكفر المبيح لدمه دلالة قطعية ولا ظنية.

        وفي السنة، الحديث المخرج في الصحيحين من رواية علي رضي الله عنه قال: قال عمر رضي الله عنه: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق – يعني حاطب بن أبي بلتعة- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنه شهد بدراً، وما يدريك لعل الله أطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم".

        قال ابن تيمية رحمه الله في الحديث: دل على جواز قتل الزنديق المنافق من غير استتابة.. وقال: فدل على أ، ضرب عنق المنافق من غير استتابة مشروع، إذ لم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على عمر استحلال ضرب عنق المنافق، ولكن أجاب بأن هذا ليس بمنافق، ولكنه من أهل بدر المغفور لهم، فإذا أظهر النافق الذي لا ريب أنه نفاق فهو مباح الدم.

        كما في مسند الإمام أحمد أخرج بسنده عن أبي إدريس قالك أتي علي رضي الله عنه بناس من الزنادقة ارتدوا عن الإسلام، فسألهم فجحدوا، فقامت عليهم البينة العدول، قال: فقتلهم ولم يستتبهم. قال: وأتي برجل كان نصرانياً وأسلم، ثم رجع عن الإسلام قال: فساله فأقر بما كان منه فاستتابه فتركه، فقيل له كيف تستتيب هذا ولم تستتب أولئك؟ قال: إن هذا أقر بما كان منه، وإن أولئك لم يقروا وجحدوا حتى قامت عليهم البينة، فلذلك لم أستتبهم. وفي رواية قال: أتدرون لما استتبت هذا النصراني؟ استتبته لأنه أظهر دينه، وأما الزنادقة الذين قامت عليهم البينة جحدوني، فإنما قتلتهم لأنهم جحدوا وقامت عليهم البينة. ([54])

        وقال مالك رحمه الله : النفاق في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الزندقة فينا اليوم، فيقتل الزنديق إذا شهد عليه بها دون استتابة. وإنما كف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المنافقين ليبين لأمته أن الحاكم لا يحكم بعلمه إذ لم يشهد على المنافقين. وقال أبو حنيفة رحمه الله : اقتلوا الزنديق سراً؛ فإن توبته لا تعرف. ([55])

المطلب الثالث: وصفه بالنفاق:

        يهتم بعض الطاعنين صحابة النبي صلى الله عليه وسلم بالنفاق؛ مستدلين على ذلك بأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أطلق على بعضهم ذلك، كما في حديث الرجل الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم:" اعدل فإنك لم تعدل، فقال عمر للنبي صلى الله عليه وسلم: دعني يا رسول الله فأقتل هذا المنافق"، وكذلك قوله في حاطب بن أبي بلتعة: " دعي أضرب عنق هذا المنافق" عندما بعث حاطب إلى قريش يخبرهم بخروج النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنه شهد بدراً، وما يدريك لعل الله أطلع على من شهد بدراً، قال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم"؟ رامين إلى الطعن في صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، وع9دم الثقة بهم والتشكيك في عدالتهم. ([56])

        أطلق عمر رضي الله عنه لفظ "منافق" على كل من بدر منه فعل نفاق وإن كان مؤمناً في الحقيقة؛ ذلك أنه كان يحكم بالظاهر، وهذا من شدة غيرته على الدين، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقره أو يرده حسب الموقف والحالة، وكان رضي الله عنه لا يعلم المنافقين بأعيانهم، بل كان يسأل حذيفة عن نفسه؛ لأن حذيفة هو الوحيد الذي أعلمه النبي صلى الله عليه وسلم بأسماء المنافقين.

        كثيراً ما كانت فراسة عمر بن الخطاب رضي الله عنه تصيب، ومن العجب أن ذا الخويصرة – الرجل الذي قال فيه عمر القوال الأول- آل أمره إلى النفاق والمنافقين، وهو وإن كان من بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن صحبته لم تكن بمعناها الاصطلاحي؛ إذا إن شرط الصحبة بعد اللقاء والإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم، الموت على الإسلام، وهذا ما لم يكن في حق هذا الرجل.

عن جابر رضي الله عنه قال: "أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة منصرفه من حنين، وفي ثوب بلال رضي الله عنه فضة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقبض منها – يعطي الناس – فقال: يا محمد، اعدل، قال: ويلك، ومن يعدل إذا لم أكن أعدل؟ لقد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: دعني يا رسول الله فأقتل هذا المنافق، فقال: معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي، إن هذا وأصحابه يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون منه كما يمرق السهم من   الرمية..  ([57])

        ثم إن المنافقين لم يكونوا مجهولين في مجتمع الصحابة الكرام رضي الله عنهم، ولم يكونوا هم السواد الأعظم، والجمهور الغالب فيهم، وإنما كانوا فئة معلومة آل أمرهم إلى الخزي الفضيحة حيث علم بعضهم بعينه، والبعض الآخر منهم علم بأوصافه. فقد ذكر  الله في كتابه العزيز من أوصافهم، وخصوصاً في سورة التوبة، ما جعل منهم طائفة متميزة منبوذة، لا يخفى أمرها على أحد، كما لا يخفى على أحد حالهم في زماننا.

        فأين هذه الفئة المنافقة ممن أثبت الله لهم في كتابه نقيض صفات المنافقين، حيث أخبر عن رضاه عنهم، من فوق سبع سماوات وجعلهم خير أمة أخرجت للناس.

        ويدل على ما سبق – من قلة المنافقين في المجتمع الإسلامي، وأنهم فئة معلومة تكفل رب العزة بفضحهم في الدنيا، ولهم في الأخرة عذاب عظيم – ما رواه حذيفة بن اليمان رضي الله عنه صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنافقين، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "في أمتي- وفي رواية في أصحابي – أثنا عشر منافقاً لا يدخلون الجنة، ولا يجدون ريحها حتى يلج الجمل في سم الخياط، ثمانية منهم تكفيكم الدبيلة، سراج من النار يظهر في أكتافهم حتى ينجم من صدورهم. ([58])

        ليس كل من عاصر النبي صلى الله عليه وسلم ولقيه وسمع منه يعد صحابياً بالمعنى الشرعي أو الاصطلاحي، لأن المنافقين صاحبوه وسمعوا منه، لكنهم أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر والعداوة، ومن كان هذا حالة لا يدخل في المعنى الشرعي لمفهوم الصحابي؛ ويبين ابن حج هذا الأمر فيقول: "وأصح ما وقفت عليه من ذلك أن الصحابي من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به، ومات على الإسلام؛ فيدخل فيمن لقيه: من طالت مجالسته له أو قصرت، ومن روى عنه أو لم يرو، ومن غزا معه أولم يغز، ومن رآه رؤية ولو لم يجالسه، ومن لم يره لعارض كالعمى، ويخرج بقيد الإيمان من لقيه كافراً ولو أسلم بعد ذلك إذا لم يجتمع به مرة أخرى.

        ولا عجب من أن تصدق فراسة عمر رضي الله عنه، فقد كان هذا الرجل – ذو الخويصرة- منافقاً حقاً، وليس هذا بغريب على عمر رضي الله عنه([59])؛ لأن عمر رضي الله كان ذا فرسة صادقة، خاصة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حقه: "قد كان يكون في الأمم قبلكم محدثون، فإن يكن في أمتي منهم أحد، فإن عمر بن الخطاب منهم" ([60])، وهذا الرجل هو ذو الخويصرة التميمي، واسمه: حرقوص بن زهير السعدي رأس الخوارج، قتل بالنهروان.

        يقول ابن الاثير: " وبقي حرقوص إلى أيام علي رضي الله عنه، وشهد معه سفين ،ثم صار من الخوارج، بل من أشدهم على علي رضي الله عنه، وكان مع الخوارج لما قاتلهم علي رضي الله عنه، فقتل يومئذ سنة سبع وثلاثين"([61]). 

المبحث الثالث

موافقة أهل الأهواء والفرق المنحرفة

المطلب الأول: موافقة الرافضة.

المطلب الثاني: موافقة الخوارج .

المطلب الثالث: موافقة المستشرقين وغيرهم من القادحين في الصحابة

رضي الله عنهم


موافقة أهل الأهواء والفرق المنحرفة

موافقة الرافضة:

        أن الروافض هم إحدى طوائف أهل البدع التي أصيبت في معتقدها بعدم التوفيق للاعتقاد السديد في الصحابة الكرام رضي الله عنهم، فقد زين لهم الشيطان اعتقاد عدم محبة رابع الخلفاء الراشدين وأحد الأئمة المهديين علي ابن أبي طالب رضي الله عنه، وحملهم على التدين ببغضه وعداوته والقول فيه بما هو بريء منه كما تعدى بغضهم إلى غيره من أهل البيت كابنه الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله وغيره. وقبل أن أذكر معتقد النواصب الذي جعلهم في ركب الفرق التي هلكت في شأن الصحابة الكرام أذكر تعريفهم ليعلم أنها فرقة غاب عنها قدر أهل بيت النبوة الذين في مقدمتهم علي رضي الله عنه، والذي هو خير الأمة بعد الخلفاء الثلاثة قبله رضي الله عنهم أجمعين حيث نال شرف تربية الرسول صلى الله عليه وسلم له، ونال شرف الصحبة للنبي صلى الله عليه وسلم منذ صغره ولما كبر كان شجاعاً مقداماً في محاربته الكفار والمشركين، مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وكلك كان في حرب الردة مع الصديق رضي الله عنه... ([62]) 

        فقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى موقف الخوارج من علي رضي الله عنه ومعتقد النواصب فيه بعد أن بين أن الرافضة عاجزون عن رد مطاعن الفريقين فيه رضي الله عنه، قال: "الخوارج الذين يكفرون علياً، والروافض الذين يفسقونه – يقولون – إنه كان ظالماً طالباً للدنيا، وإنه طلب الخلافة لنفسه وقاتل عليها بالسيف، وقتل على ذلك ألوفاً من المسلمين حتى عجز عن انفراده بالأمر وتفرق عليه أصحابه وظهروا عليه فقاتلوه([63]). مما يبين الأثر الرافضي في نشر عقائدهم في أوساط المسلمين ما سجل في نصوصهم القديمة من أنه لم يقبل فكتهم إلا أهل مدينة واحدة هي الكوفة،. قال أبو عبد الله: "إن الله عرض ولايتنا على أهل الأمصار فلم يقبلها إلا أهل الكوفة".

        فالتشيع لم يجد له موطنا في بلاد الإسلام إلا في الكوفة لبعدها عن العلم وأهله، وهذا من آثار ابن سبأ، فقد كان له نشاط مبكر في الكوفة، وما غادرها حتى ترك فيه خلية تعمل على نهجه.

ثم ما لبث أن سرى الرفض في العالم الإسلامي. ([64])

        ودعا التشيع في هذا العصر يشكلون خلايا سرية تعمل بنشاط ومعها خطة مدروسة وتمويل إيراني ضخم بواسطة سفاراتها وقنصلياتها المنتشرة في جميع أنحاء العالم، مغررون بحب آل البيت ، وبالأموال، والمنح الدراسية، وإباحة زواج المتعة. ([65])

        ونشاط الروافض متعدد الوجوه ومتنوع الوسائل لا يراعي فيها مبدأ كحال أهل السنة ولأن الروافض يرون في التقنية تسعة أعشار الدين. وقد اعترف بعض علمائهم المعاصرين أن التقية عنهم – الغاية تبرر الواسطة -. ولذلك فإن وسائل الروافض لنشر مذهبهم قد اكتست بألوان من الخداع والتغرير راح ضحيتها جملة من القبائل المسلمة والأفراد المسلمين.

        وهم لا يزالون إلى اليوم ينشرون معتقدهم على كل المستويات. ولهم اهتمامات بالاتصال ببعض رؤساء الدول الذين يتوسمون فيهم الاستجابة لمذهبهم. كما قاموا بشراء بعض أصحاب الأقلام والعقول الخاوية من الإيمان واستكتبوها للتشيع. ويقومون بانتقاء الإذكاء من  الطلاب والطالبات في العالم الإسلامي ويعطونهم منحا دراسية في قم ليغسلوا أدمغتهم ويربوهم على الرفض حتى يعودوا لبلدانهم ناشرين للرفض داعين له([66]).

        ومما ساعد على نشر التشيع بين المسلمين سعي أعداء الإسلام للتمكين لمذهب الروافض في البلاد الإسلامية، فإننا نرى الدول الغربية ومن ورائها اليهود تتسابق إلى تقديم الدعم للروافض بكل وسيلة والسعي للتمكين لهم لأنهم وجدوا فيه8م خير من يخدمهم ويحقق أهدافهم، والمتأمل في المخطط الشيعي – الذي صار لا يخفي على أحد – للسيطرة على بلاد المنطقة العربية والإسلامية يظهر له بوضوح حقيقة التحالف الصليبي الرافضي، وتتجلى له حالة التشابه والتطابق التام في مصالح الروافض مع إخوانهم الصليبيين لأحكام السيطرة على المنطقة، وقد فضح مخططهم مقدار التعاون الوثيق بين الروافض والدول الغربية في إسقاط العراق تحت الاحتلال. ([67])

المطلب الثاني: موافقة الخوارج:

        تجمع كتب التاريخ والفرق على أن الخوارج على اختلف فرقهم يعدلون الصحابة جميعاً قبل الفتنة، ثم يكفرون عليا، وعثمان، وأصحاب الجمل، وجمهور الصحابة الموجودين بعد التحكيم، والحكمين، ومن رضي بالتحكيم وصوب الحكمين أو أحدهما، كفورهم بدعوى أنهم خالفوا أمر الله([68]). يقول الأشعري رحمه الله تعالى: (والخوارج بأسرها يثبتون إمامة أبي بكر وعمر ويتكون إمامة عثمان رضوان الله عليهم في وقت الأحداث التي نقم عليه من أجلها ويقولون بإمامة على قبل أن يحكم وينكرون إمامته لما أجاب إلى التحكيم ويكفرون معاوية وعمرو بن العاص وأبا موسى الأشعري) ([69]). ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (وجمهور الخوارج يكفرون عثمان وعليا ومن تولاهما)، ([70]) ونقل البغدادي رحمه الله  تعالى في كتابه الفرق بين الفرق أن من جملة ما يجمع الخوارج: إكفار علي وعثمان وأصحاب الجمل والحكمين ومن رضي بالتحكيم وصوب الحكمين أو أحدهما) ([71]).

        والمقصود بيان أن الخوارج يكفرون كل الصحابة بعد الفتنة في زمن علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عن الجميع، ضاربين بالنصوص الواردة في فضلهم ومناقبهم عرض الحائط، خلافا لأهل السنة والجماعة الذين لا يكفرون أحداً منهم قال شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة في هذا الباب: (ويتبرأون من طريقة الروافض الذين يغضون الصحابة ويسبونهم. وطريقة النواصب الذين يؤذون أهل البيت بقول أو عمل. ويمسكون عما شجر بين الصحابة، ويقولونك إن هذه الآثار المروية في مساويهم منها ما هو كذب، ومنها ما قد زيد فيه ونقص وغير عن وجهه، والصحيح منه هم فيه معذورون: إما مجتهدون مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون. وهم مع ذلك لا يعتقلون أن كل واحد من الصحابة معصوم عن كبائر الإثم وصغائره، بل يجوز عليهم الذنوب في الجملة. ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم إن صدر، حتى إنهم يغفر لهم من السيئات ما لا يغفر لمن بعدهم؛ لأن لهم من الحسنات التي تمحو السيئات ما ليس لمن بعدهم.). ([72])

        عن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي "إن ابني هذا سيد وإني أرجو أن يصلح الله به بين فئتين من أمتي" وقال في حديث حماد" ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين عظيمتين). ([73])

        الخوارج في الإسلام يعتبرون مبتدعة وليسوا كفاراً؛ لأنهم في الجملة يقرون بالإسلام وأركانه وغير ذلك وهذا هو منهج أهل السنة والجماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، ومن قال إنهم كفار بناء على قول النبي صلى الله عليه وسلم:/ يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية" فقد خالف الصواب وذلك لأن المروق لا يعني الخروج كليا من الإسلام وإنما هذا من باب الوعيد مثل قوله صلى الله عليه وسلم: والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن، قيل: من يا رسول الله؟ قال: من لا يأمن جاره بوائقه" ، ومثل كثير في الأحاديث النبوية ويؤكد ذلك أن الصحابة الذين رووا هذا الحديث عن لخوارج وغيره لم يحكموا بكفرهم ولا بخروجهم من الإسلام، وهم أعلم بكلام النبي صلى الله عليه وسلم من غيرهم. ([74])

        وقال شيخ الإسلام بان تيمية: (فإن الأمة متفقون على دم الخوارج وتضليلهم وإنما تنازعوا في تكفيرهم على قولين مشهورين في مذهب مالك وأحمد وفي مذهب الشافعي أيضاً نزاع في كفرهم. ولهذا كان فيهم وجهان في مذهب أحمد وغيره على الطريقة الأولى: أحدهما: أنهم بغاة. والثاني: أنهم كفار كالمرتدين، يجوز قتلهم ابتداء، وقتل أسيرهم ، واتباع مدبرهم، ومن قدر عليه منهم استتيب كالمرتد فإن تاب وإلا قتل. ([75])

        وقال الحافظ ابن حجر : ( وذهب أكثر أهل الأصول من أهل السنة إلى أن الخوارج فساق وأن حكم الإسلام يجري عليهم لتلفظهم بالشهادتين ومواظبتهم على أركان الإسلام، وإنما فسقوا بتكفيرهم المسلمين مستندين إلى تأويل فاسد وجرهم ذلك إلى استباحة دماء مخالفيهم وأموالهم والشهادة عليهم بالكفر والشرك) ([76]). وكذلك الإمام النووي في شرح مسلم قال: (المذهب الصحيح المختار الذي قاله الأكثرون والمحققون: أن الخوارج لا يكفرون كسائر أهل البدع) ([77]).

        وقال ابن قدامة المقدسي رحمه الله : ( الخوارج الذين يكفرون بالذنب، ويكفرون عثمان وعليا وطلحة والزبير، وكثيراً من الصحابة، ويستحلون دماء المسلمين، وأموالهم ، إلا من خرج معلهم، فظاهر قول الفقهاء من أصحابناً المتأخرين أنهم بغاة، حكمهم حكمهم. وهذا قول أبي حنيفة، الشافعي، وجمهور الفقهاء ، وكثير من أهل الحديث). ([78])  وقال محمد بن نصر أيضاً حديثنا إسحاق بن راهويه حدثنا يحيى بن آدم عن مفضل بن مهلهل عن الشيباني عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال: كنت عند علي حين فرغ من قتال أهل النهروان، فقيل له: أمشركون هم؟ قال: منالشرك فروا. فقيل: فمنافقون؟ قال: المنافقون لا يذكرون الله إلا قليلاً. قيل: فما هم؟! قال: قوم بغوا علينا فقاتلناهم([79]).

المطلب الثالث: موافقة المستشرقين وغيرهم من القادحين في الصحابة رضي الله عنهم:

        المستشرقون عند كلامهم على صلة الصحابة رضي الله عنهم بالرسول صلى الله عليه وسلم في جهاده للمشركين من كفار قريش يحاولون تصوير نفسيات الصحابة رضي الله عنهم تجاه مشاركتهم الرسول صلى الله عليه وسلم في جهاده للمشركين وكأنهم في قلق نفسي، ونفسياتهم أو أرواحهم القتالية ضعيفة.

        يقول المستشرق بودلي (Bodley) عند كلامه على غزوة بدر: (على الرغم من عدم تكافؤ عدد القوتين، قرر محمد أن يخوض غمار القتال مخاطراً بمستقبله وسمعته بل بحياته في سبيل السيادة. وقد أظهر بعض رجاله برغم ذلك قلقاً!

        كان العرب بلاد العرب قبل أيام الحروب الإسلامية المنظمة، يحبون السلب ولم تكن فكرة القتل على الأخص محببة إليهم وكانوا يمقتون أن يقتلوا أنفسهم؛ ولكن محمداً رفع من روحهم، وأكد لهم أن الله ناصرهم). ([80])

        وأما شتمهم للصحابة رضي الله عنهم ووصفهم بالسلب فيقال: (هذا كلام مردود؛ لأن أهل المدينة كأهل مكة لم يكونوا أهل بادية يعيشون على السلب والنهب، وأنهم فوق ذلك، كان في طبعهم ما في طبع من يعيشون على الزراعة من حب الاستقرار، مما يجعلهم لا يتحركون إلى قتال إلا لدافع قوي.

        وأما وصف هذا المستشرق للصحابة بالقلق، والخوف وأن الرسول صلى الله عليه وسلم يحاول إقناعهم بالقتال، من أجل الشرف لهذا من البهتان العظيم، والقول بلا علم. فالصحابة رضي الله عنهم أهل شجاعة ونصره وفداء. ([81])

        رأي الصحابة رضي الله عنهم في قتال المشركين في بدر، قال ابن إسحاق رحمه الله عن غزوة بدر وخروج الرسول صلى الله عليه وسلم لملاقاة عير قريش: (وأتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم، فاستشار الناس، وأخبرهم عن قريش ؛ فقال أبو بكر الصديق، فقال وأحسن. ثم قام عمر بن الخطاب. فقال وأحسن، ثم قام المقداد بن عمرو فقال: يا رسول الله، امض لما أراك الله فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائل لموسى: " اذهب أنت وربك فقاتلا، إنا ههن قاعدون"، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد ([82]) لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيراً، ودعا له به).

        وفي سبيل ذلك قام المستشرقون بنشر الكثير من كتب التراث الإسلامي، وتناولا كثيراً من تاريخه ورجاله العظماء، وكان من هؤلاء صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، غير غافلين عن منهجهم في الكتابة، ومصادرهم التي يجدون  في بعضها ما يمكن إدانة الصحابة رضي الله عنهم، وتشويه صورهم في أعين ومخيلة أبناء المسلمين.

        وقد تأثر بهم بعض أبناء المسلمين لتتلمذهم على يديهم، وإعجابهم بنتاجهم الفكري، وانبهارهم بحضارتهم، ففاق التلاميذ شيوخهم، وأصبحوا آلة طيعة للمستشرقين، وبوقاً الإذاعة سبابهم وشتائمهم، في خير القرون صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث أخذوا يسمونهم خسفاً، ويرمونهم بوابل من النهم التي هم منها براء، مقتفين آثار أسيادهم من المستشرقين، مبتغين رضاءهم.

        وسأقتصر على أهم الدراسات المعاصرة، ومؤلفيها الذين تأثروا بموقف المستشرقين من الصحابة رضي الله عنهم، والسمة العامة لهؤلاء المؤلفين هي أنهم من العقلانيين، أو العصرانيين([83]).

        كتاب فجر الإسلام، وكتاب يوم الإسلام، وهما لأحمد أمين، وفيهما شكك في عدالة الصحابة، وخاصة أبي هريرة([84]) رضي الله عنه، وخاض فيما جرى بين الصحابة رضي الله عنهم من الاختلاف، معتمداً على روايات ضعيفة، وكتب الأدب مثل: (الأغاني) وغيره.

        وهو من كبار المتأثرين بالمستشرقين فيما يكتبه، حيث يقول في مقدمة الطبعة الثانية لكتابه: فجر الإسلام: ظهرت الطبعة الأولى لهذا الكتاب نحو أول سنة 1929م، وكان ما لقيته من أهل العربية والمستشرقين أكبر مشجع لي على عملي، فقد نقدوه وقرظوه، وانتفعت بما أبدوه من آراء قيمة في نقده وتحليله، وكنت أود أن أتوسع في بعض فصوله وأزيد فيه فصلواً لم تكن، وأحكي آراء الباحثين من المستشرقين فيما ذهبوا إليه أخيراً، ولكن اشتغالي في إخراج ضحى الإسلام منعني من تحقيق كل رغبتي، فحققت من ذلك ما استطعت([85]).

الخاتمة

        الحمد لله الذي بتوفيقه تقضي الحاجات، وبنعته تتم الصالحات، فقد تيسر لي بتوفيق من الله إتمام هذا البحث وذلك بحول منه سبحانه وعونه.

        وإني لا أدعي فيه الكمال والإحاطة، وحسبي أني بذلت قصاري جهدي، فإن أصبت فيما بحثته وعرضه فهو من فضل ربي وتوفيقه، وإن أخطأت في ذلك أو بعضه فهو مني، وأستغفر الله وأتوبه إليه.

وهذه أهم النتائج التي توصلت إليها في هذا البحث على وجه الاختصار وهي:

1.   أغلب الطعونات تكفل القرآن بالرد عليها إجمالاً.

2.   الكثير من الطعونات أجاب عنها النبي صلى الله عليه وسلم تفصيلاً.

3.   الطاعنون يرددون الطعونات ويتناقلونها، ويتواصون بها، ويأخذها الرجل عن الآخر، ثم يعيد صياغتها مرة أخرى، معرضين عن أجوبة العلماء عليها، وضاربين بعرض الحائط تفنيد العلماء لها، وهذه علامة أهل الأهواء، وصدق الله إذا يقول: {مَّا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ}([86])

4.   شؤم البدع والفرق الضالة على الإسلام، حيث فتحوا الباب للطاعنين، فتجدهم يستدلون بكلام الرافضة في إثبات تحريف القرآن، ويستدلون بكلام الصوفية بأن القرآن ليس واجب الاتباع؛ لأنه له معاني أخرى غير المعاني الظاهرة، يسمونها العلم الباطن، ويستدلون بكلام المعتزلة في تقديم العقل على النقل.

5.   من أسخف الطعون الاستشراقية الطعون اللغوية، فهؤلاء المستشرقون الذين ظهروا بعد نزول القرآن بأكثر من ألف سنة، يريدون أن يخبرونا أن القرآن فيه أخطاء لغوية أو نحوية، مع أنه عرض على فصحاء العرب وعلماء اللغة والنحاة واللغويين، ولم ينقم عليه أحد شيئاً في لغته، فإذا بهؤلاء بعد هذه الأزمنة المتطاولة، والإجماع القطعي يخرجون لنا بهذه البائقة، التي أضحكت عليهم المجانين، فلا ينبغي التشاغل بالرد عليهم في هذا الباب، ولا إضاعة الأوقات على قوم يريدون أن يعلمونا لغتنا وهم لا يفقهون منها شيئاً، وأغلب طعونهم هي عبارة عن ألفاظ مشتركة، أو ألفاظ عامة، أو غير ذلك من أنواع طرائق الكلام.

اللهم أجعلنا نخشاك كأننا نراك، اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخر أيامنا يوم أن نلقاك{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ*وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ*وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } .

        وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

 



([1]) القصير، عبد الله بن صالح، الإصابة في فضائل وحقوق الصحابة رضي الله عنهم، الطبعة الأولى، فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر، الرياض 1424هـ/ 2003م، ص7

([2]) ابن منصور، لسان العرب، مادة صحب 1: 519، الفيروزابادي، القاموس المحيط، 1: 37.

([3]) المقريرزي، المصباح المنير، مادة (صحبة)، 1: 509.

([4]) أبو بكر الرازي، مختار الصحاح، مادة صحب ص356.

([5]) ابن حجر، الإصابة في تمييز الصحابة رضي الله عنهم، 1/ ص7.

([6]) فتح الباري، 8/ ص4.

([7]) عند التفتيش على المواقع التي استعمل فيها لفظ مآلات القدح و مآلات الأحكام في القرص المدمج المشتمل على برنامج " مكتبة الفقه وأصوله" المشتمل على المئات من المصادر الأصولية والفقهية لم يظهر هذا المصطلح إلا في موقعين كل منهما في كتاب الموافقات للشاطبي.

([8]) عبد المجيد النجار، مآلات الأفعال وأثرها في فقه الأقليات، بحث مقدم للدورة التاسعة للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، 1423هـ/ 2002م، ص3-4.  

([9]) فتح الباري، 8/ ص4.

([10]) الميرة: هي الطعام الذي يجلب من بلد إلى بلد آخر، انظر مختار الصحاح، ص640، والمصباح المنير 2/587.

([11]) انظر مختصر التحفة الاثنى عشرية ص 272.

([12]) سورة الجمعة، من الآية: 11.

([13]) انظر مختصر التحفة الاثنى عشرية، ص272. 

([14]) روح المعاني للألوسي 28/107، ورواية البيهقي المشار إليها أوردها السيوطي في الدر 8/166، ولم يعزها لغيره. 

([15]) تفسير القرآن العظيم 7/13-14، وانظر الخبر في كتاب المراسيل لأبي داود ص105، وذكره السيوطي في الدر المنثور في التفسير بالمأثور 8/165-166، ونسبها إلى أبي داود فقط. 

([16]) انظر الإرشاد للمفيد ص9، حق اليقين لعبد الله شبر ص215، رجال الكشي ص12-13. 

([17]) الأصول من الكافي الرواية رقم 341.

([18]) الأصول م الكافي الرواية رقم 455. 

([19]) الأصول من الكافي 2/244. 

([20]) سورة التوبة، الآية: 100.  

([21]) سورة التوبة، الآية: 19-22.            

([22]) سورة التوبة، الآية: 88-89.            

([23]) سورة التوبة، الآية: 117.  

([24]) انظر فتح الباري 8/117-118.

([25]) سورة النور، من الآية: 55. 

([26]) سورة النور، من الآية: 55. 

([27]) العواصم من الفواصم ن ص185هـ.  

([28]) سورة الفتح، الآية: 18.   

([29]) انظر صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 7/ 443.    

([30]) سورة الفتح، الآية: 19.   

([31]) سورة النحل، الآية: 101.   

([32]) انظر: "تفسير البيضاوي" (3/420).    

([33]) سورة الفرقان، الآية:4.     

([34]) انظر: الإسقاط في مناهج المستشرقين للدكتور شوقي أبو خليل، (ص47)، دار الفكر المعاصر، بيروت، الطبعة الأولى، 1995م.     

([35]) هربرت جورج ويلز (1866م-1946م): الكاتب والأديب البريطاني المعروف، حصل على بكالوريوس العلوم عام 1888م، وتولى التدريس بضع سنين ثم انصرف للتأليف، اشتهر بقصصه التي تعتمد الخيال العلمي، من مؤلفاته "معالم تاريخ الإنسانية"/ وغيرها من الكتب: انظر: "قالوا عن الإسلام": ص144.

([36]) معالم تاريخ الإنسانية، لويلز (3/626)، انظر: الإسقاط في مناهج المستشرقين ص47.     

([37]) يوليوس فلهارزن (1844م -1948م): مؤرخ لليهودية ولصدر الإسلام، وناقد للكتاب المقدس العهد القديم، ألماني نصراني، وفي سنة 1872م صار أستاذاً ذا كرسي في جامعة جريفلد، ثم أنتقل إلى جامعة هله في سنة 1882م حيث قام بتدريس اللغات الشرقية وتنقل بين عدة مناسب في العديد من الجامعات حتى تقاعد عام 1913م، ومن مؤلفاته: "تاريخ إسرائيل"، "المدينة قبل الإسلام"، و"تنظيم محمد للجماعة الإسلامية"، و "تاريخ الدولة العربية"، وغيرها من المؤلفات. أنظر: "موسوعة المستشرقين" لبدوي ص408 بتصرف.

([38]) تاريخ الدولة العربية، ليوليوس فلهاوزن ص8، ترجمة عن الألمانية.

([39]) سورة يونس، الآية: 37.      

([40]) تفسير القرآن العظيم ، لابن كثير 2/417.       

([41]) عبد المحسن بن زبن المطيري، دعاوي الطاعنين في القرآن الكريم في القرن الرابع عشر الهجري والرد عليها، الطبعة الأولى، شركة دار البشائر الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت 1427هـ/ 2006م، ص183-184.       

([42]) ومن هذا الباب المجامع الفقهية وما فيها من اجتهاد جماعي، ومنه ما في دول الغرب من عمل لجان متخصصة في الطب والفلك والأحياء والكيمياء والكهرباء والحاسوب وغيرها من العلوم، فأثمرت هذه اللجان المتخصصة علوماً وإبداعاً، واكتشافاً لا يستطيعه الفرد الواحد مهما بلغ منفرط الذكاء وسيلان الذهن وعبقرية العقل أن يبدعه.        

([43]) سورة الإسراء، الآية: 88.        

([44]) سورة الجمعة، الآية: 88.        

([45]) سورة آل عمران ، الآية: 155.        

([46]) سورة التوبة، الآية: 25.        

([47]) عماد السيد الشربيني ، عدالة الصحابة رضي الله عنهم في ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية ودفع الشبهات، مكتبة الإيمان، مصر 1427هـ/ 2006م، ص9        

([48]) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، دار المعرفة ، بيروت 1400هـ/ 1980م، ص4، ص367.          

([49]) صحيح البخاري، بشرح فتح الباري، كتاب : العلم ، باب ، إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم، 1/ 242، رقم (107. صحيح مسلم ، بشرح النووي، المقدمة، باب : تغليظ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، 1/169.         

([50]) عبد المهدي عبد القادر عبد الهادي، دفع الشبهات عن السنة النبوية، مكتبة الإيمان ، القاهرة، الطبعة الأولى، 1421هـ/ 2001م، ص173.         

([51]) صحيح: أخرجه أبو داود في سننه (بشرح عون المعبود)، كتاب: الأدب، باب : كم مرة يسلم الرجل في الاستذان، (14/59)، رقم (5173). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود برقم (518).         

([52]) آل عمران، الآية: 7         

([53]) التوبة، الآية: 52          

([54]) ذكرن ابن تيمية في الصارم المسلمول، ص360.

([55]) عن إكفار الملحدين، ص37 هل للزنديق مخرج وتوبة..؟ لا مخرج ولا منجاة للزنديق مما هو فيه إلا بشرط وهو: أن يتوب وتكون توبته قبل القدرة عليه من قبل جند الحق؛ بحيث يأتي طواعية- صادقاً راغباً بالتوبة والإياب إلى الحق – من تلقاء نفسه من غير خوف ولا إكراه، فيعترف بما كان منه من كفر وزندقة، معلناً – على الملأ- توبته وبراءته مما كان عليه من الباطل.

([56]) عماد السيد الشربيني، عدالة الصحابة في ضوء القرآن والسنة النبوية ودفع الشبهات، المرجع السابق،

([57]) صحيح البخاري، بشرح فتح الباري، كتاب: فرض الخمس، باب: من الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين، (6/274)، رقم (3138). صحيح مسلم، بشرح النووي، كتاب: الزكاة، باب: ذكر الخوارج وصفاتهم، (1/1692)،رقم (2410).

([58]) صحيح مسلم، بشرح النووي، كتاب: صفات المنافقين وأحكام وأحكامهم، باب: صفات المنافقين، (9/3901)، رقم (6903).

([59]) فصل الخطاب في سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: شخصيته وعصره، د.علي محد محمد الصلابي، دار الإيمان، الإسكندرية، 2002م، ص83.          

([60]) صحيح مسلم، بشرح النووي، كتاب: فضائل الصحابة رضي الله عنه، باب: فضل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، (8/3528)، رقم (6087).

([61]) الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر العسقلاني، مرجع سابق، ص2/50.

([62]) ناصر بن علي عايض حسن الشيخ، عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام رضي الله تعالى تعنهم، الطبعة الأولى، الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، 1430هـ/2009م، ص01440-1442.

([63]) منهاج السنة النبوية، 1/162.

([64]) أصول مذهب الشيعة الأمامية، ص119.

([65]) الشيعة شاهدين على أنفسهم بالكفر. د. ضياء الدين الكاشف، من مجموع ولفات عقائد الرافضة والرد عليها (4/39).

([66]) أصول مذهب الشيعة الأمامية، ص1201.

([67]) عصماني خالد، دراسة حول فرقة الشيعة بحث مقرر خطر الغلو، كلية الشريعة، 1434/1435هـ، ص15-16

([68]) انظر: الفرق بين الفرق للبغدادي ص74، والسنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ص149، وموقف الخوارج هذا معاكس لموقف أهل السنة الذين عدلوا كل الصحابة من شارك في الفتنة ومن لم يشارك.          

([69]) الأشعري: مقالات الإسلاميين ، ص125.

([70]) ابن تيمية: مجموع الفتاوي 13/35.

([71]) البغدادي : الفرق بين الفرق ، ص55.          

([72]) ابن تيمية: العقيدة الواسطة.

([73]) رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني رحمه الله تعالى.          

([74]) انظر: ناصر العقل دراسات في الأهواء الفرق والبدع، 2/39.          

([75]) مجموع فتاوى شيخ الإسلام لابن تيمية 28/518.

([76]) فتح الباري 12/314.

([77]) شرح مسلم للنووي 2/50.

([78]) ابن قدامة، المغني ، 8، ص106.          

([79]) السنن الكبرى للبيهقي، 8، 173.          

([80]) كتاب: الرسول حياة محمد، لبودلي ، ص151. 

([81]) كتاب: حباة محمد، لمحمد حسين هيكل، ص142. 

([82]) سعد بن عبد الله بن سعد الماجد، موقف المستشرقين من الصحابة رضي الله عنهم، الطبعة الأولى، دار الفضيلة للنشر والتوزيع، الرياض 1431هـ/2010م، ص173. 

([83]) ينظر: كتاب الاتجاهات العقلانية الحديثة، ناصر العقل (ص91-111)، والعصرانيون بين مزاعم التجديد وميادين التغريب، تأليف: محمد حامد الناصر، (ص42، 59، 113).          

([84]) ينظر: كتاب فجر الإلام ص144، وما بعدها، وكتاب يوم الإلام ص55-63.          

([85]) كتاب فجر الإسلامي، ص أ          

([86]) سورة فصلت، الآية: 43.            


([1]) آل عمران، الآية: 102.

([2]) النساء، الآية: 1

([3]) الأحزاب، الآية: 70




إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال